جريدة الجرائد

عالم بأكمله "خارج عن السيطرة" وليس أميركا فقط

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سميح صعب

لم تنجلِ بعد الدوافع التي حدت بتوماس ماثيو كروكس البالغ 20 عاماً، إلى محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق ومرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، خلال تجمع انتخابي في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا السبت الماضي.

وإلى أن تتبين الدوافع، أظهر استطلاع أجرته "رويترز-إبسوس"، أن 80 في المئة من الناخبين، جمهوريين وديموقراطيين، يتفقون على أن "البلاد تخرج عن نطاق السيطرة". وهذا مما يقلل كثيراً من وقع الدعوات إلى الوحدة وإلى خفض حدة الخطاب السياسي المتبادل بين قادة الحزبين.

وتفيد تقارير بأن أكثر من 200 حادثة عنف ذات دوافع سياسية وقعت بين عامي 2021 و2023، مما يجعل الولايات المتحدة تواجه موجة من العنف السياسي الأكثر استمراراً منذ عقد من الاضطرابات التي بدأت في أواخر الستينيات. وقد جاء هذا العنف من مختلف الأطياف الأيديولوجية.

وهناك شبه إجماع على أن تصاعد موجة العنف السياسي، مرده في المقام الأول إلى حالة الاستقطاب السائدة في الولايات المتحدة، حتى ولو قال الرئيس جو بايدن وترامب، إن العنف "لا مكان له في أميركا".

التشريح الأكثر واقعية لما يجري في الولايات المتحدة ربما جاء على لسان مرشحة حزب الخضر للانتخابات الرئاسية جيل ستاين، التي قالت: "ما حدث مع ترامب هو، على ما أعتقد، أحد أعراض نظام مضطرب للغاية حالياً، أريد أن أقول إنّه نظام سياسي مضطرب داخل مجتمع مضطرب للغاية".

وتصف مجلة "الإيكونوميست" البريطانية حالة أميركا فتكتب تعليقاً على محاولة اغتيال ترامب "يبدو أن طاعونا قد تفشى، هناك أعمال شغب في الشوارع، ومبنى الكابيتول هيل يتعرض للنهب، والعالم يشتعل، والنظام يتداعى تحت الضغط... البعض يعتقد أن الرصاص وأعمال الشغب يجب أن تنجز ما عجزت عنه صناديق الاقتراع".

ويحتدم الجدل بشأن الأسباب التي تقف خلف تصاعد العنف. وهناك خبراء يقولون إن أعمال العنف هذه كثرت مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في كانون الثاني 2017، بصرف النظر عن مسؤوليته فيها من عدمها.

ويتبادل الديموقراطيون والجمهوريون الاتهامات بالمسؤولية عن تفاقم العنف. وعلى سبيل المثال، قال حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت عن ترامب: "لقد حاولوا أن يسجنوه، وحاولوا أن يقتلوه... لم ينجح ذلك، إنه لا يقهر".

وليست أميركا وحدها من ابتليت بالعنف، بل بقية العالم يشهد أيضاً استقطاباً في السياسات، وبما يمكن أن يحدث عندما يصير الحوار السياسي منتهكاً بالمبالغات والأكاذيب، التي تكبرها وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق لاحظت المحللة في موقع "بلومبرغ" الأميركي فلافيا كروس-جاكسون، أنه "من آسيا إلى أوروبا إلى أميركا الجنوبية، شهدت السنوات الأخيرة محاولات اغتيال ضد مروحة من القيادات السياسية البارزة في وضح النهار". وتستشهد بمحاولة اغتيال تعرض لها رئيس الوزراء السلوفاكي الشعبوي روبرت فيكو في أيار (مايو) الماضي، وهو صديق لترامب. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو القريب أيضاً من ترامب، عندما تعرض للطعن في بطنه خلال تجمع انتخابي قبل شهر من انتخابه عام 2018. ولقي رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي حتفه على يد مسلح في تموز (يوليو) 2022. وأصيب رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان في العام نفسه برصاصة في ساقه.

إذن، الاستقطاب ظاهرة أميركية وعالمية. ولا بد أن العالم الذي تنهشه الحروب أكثر من أي وقت مضى، دليل على أن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يهتز من المركز ويفيض من هناك على الأطراف.

وإلى أن يتبلور نظام جديد، سيبقى العالم يعيش مخاضاً من الأحداث والحروب والأزمات والتحديات، التي يصعب التحكم بها، ويجعل العالم كله خارج السيطرة وليس أميركا وحدها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف