"الانقلاب الإداري"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د. محمد النغيمش
عندما يحدث تغيير جذري وسريع في هيكل المنظمة رغبة في الإصلاح والتطوير فإننا أمام ما يشبه "الانقلاب الإداري". وذلك لأن الأصل في فكرة التغيير الإداري التروي أو التدرج المدروس، فالسرعة وحدها ليست وصفة سحرية. غير أنه في حالات عديدة يتطلب الأمر تغييراً راديكالياً ليس بمعناه السياسي بل بمغزاه الشمولي والعميق، لا يخلو من السرعة.
والسرعة عادة ما تكون في تغيير رؤوس "عششت" في مؤسسات بالية من دون مساهمة تذكر. وكثير منهم يعد سبباً جوهرياً لتراجعها. وبعضهم يعتبر "بعبعاً" يطل برأسه كلما فكر أحد في تغيير السائد. هؤلاء يفاخر أصحاب التغيير بانتزاعهم من مناصبهم نزعاً حتى يصدق الجميع أن تغييراً حقيقياً يجرى على أرض الواقع. يشبه الأمر "الانقلاب" على رموز التقاعس والتراجع.
الناس بطبيعتها تقاوم أي تغيير إذا لم تكن جزءاً منه. ولذلك كان من المهم تأمل أنواع التغيير الإداري، وهي إجمالاً نوعان. الأول "التغيير المخطط له" planned الذي يحدث حينما يقدم القياديون على التغيير المتعمد لمحاولة الاستجابة لضغوط معينة أو مشكلات استجدت. وهنا تكون المقاومة في أدنى صورها، لأننا أمام مشكلة يرى الجميع أبعادها. ولذلك فإن أول عقبة في حل المشكلات تبرز عندما لا يعترف متخذ القرار بوجود المشكلة أصلاً. فكيف يمكن أن نبدأ الحل؟
ويجد المقدمون على التغيير أنفسهم أمام تغيير ثان وهو "غير مخطط له" unplanned ويقصد به التغيير الذي يحدث فجأة أو بطريقة عشوائية من دون أي نوايا مقصودة لمشكلة ما.
وبشكل عام هناك ما يُسمى بالتغيير الثوري revolutionary أو الذي يكسر طوق الوضع الحالي frame breaking حسبما يطلق عليه الدليل الإرشادي للتغيير المؤسسي والإبداعي الصادر عن جامعة أوكسفورد. ويتصف هذا التغيير بالسرعة الكبيرة والدراماتيكية، وهو بلا شك يثير مخاوف كثير من العاملين. وعادة ما يتسرب عدد من الكفاءات في تلك المرحلة إن لم تراع مغبة ذلك.
هذا "الانقلاب الإداري" (الثوري) له تداعيات عديدة، لأن السرعة أو العجلة تزيد فرص وقوع الأخطاء. ولذلك تضطر كثير من المؤسسات إلى تقنين تجربة التغيير في إدارة صغيرة أو بمرحلة انتقالية ريثما يتم تقييم مميزاتها وعيوبها قبل تعميمها.
البعض يعتقد أن التغيير مرتبط بـ"خلع" أفراد بعينهم لم يجرؤ أحد على الاقتراب منهم. لكن ذلك غير كاف، فالنتائج عادة ما تكون مرتبطة بالنظام القائم أو الاستراتيجية المطبقة والعاملين عليها. وأحكم أنواع التغيير الكبير هو الذي يحدث على "نار هادئة" أو الخاطف الذي يتطلب قرارات عاجلة مدروسة بين حين وآخر.