على مسافةٍ من الوطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن مدن
غادر الكاتب التشيلي لويس سبولفيدا وطنه مضطراً في فترة حكم بيونشيه، بعد سنوات قضاها في السجن إثر الانقلاب على الحكومة المنتخبة بزعامة سلفادور الليندي، ثم تنقّل بين عدّة بلدان في قارته، أمريكا اللاتينية، قبل أن يستقر به المقام في مدينة هامبورج بألمانيا. في المنفى، صدر له الكثير من الأعمال الأدبية، بينها قصص قصيرة وروايات، لعل أكثرها شهرة عندنا روايته الأولى «العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية»، لقيام عفيف دمشقية بترجمتها إلى العربية. صدرت الرواية عام 1989، بعد أن انتهى سبولفيدا من كتابتها، هو الذي قال في حوار معه ترجمه إلياس فركوح، إنه يعيد العمل على كتبه طويلاً، لا يعتبر كتبه منتهية إلا إذا عاود العمل عليها عشر مرات على الأقل.
كانت أمريكا اللاتينية هي الحاضر الأكبر في أدبه، ما حمل محاوره في الحوار إياه على سؤاله عمّا إذا كان العيش في أوروبا غيّر توجهه نحو وطنه ونحو أمريكا اللاتينية عامة، فأجاب أنه، وهو في ألمانيا، يشعر بأنه أمريكي لاتيني على نحو أقوى مما كان عليه عندما كان يعيش في قارته، رغم أنه استدرك قائلاً: «ليس ضرورياً أن تأتي إلى أوروبا لكي تكتب أدباً أمريكياً لاتينياً، فبمقدور الكاتب أن يفعل ذلك من أي مكان في العالم، مع تأكيده أن المسافة تتيح إمكانية النظرة البانورامية الشمولية للقارة وحقيقة الحياة فيها».
هذا، فيما نرى، قول ينطبق على كل أدباء ومفكري العالم الذين يجدون أنفسهم بعيداً عن أوطانهم، مختارين أو مكرهين. أذكر أننا أوردنا، مرة، ما قاله المفكر الفلسطيني – الأمريكي هشام شرابي، جواباً عن سؤال مشابه لذلك الذي وجّه لسبولفيدا، حول ما إذا كان عيشه في أمريكا قد أبعده عن وطنه، فقال بثقة: «أشعر نفسياً وعقلياً، وفي أعماق لا وعيي، وفي كل ما عملته، وكل انصبابي، العملي والأكاديمي، بأنني أستقي ذلك من العلاقة بمجتمعي». وإلى هذا يعزو انعدام الهوة بين الفكر الأكاديمي المجرد والفعل الاجتماعي.
حامل «نوبل» للآداب عام 2010 الأمريكي اللاتيني أيضاً، البيروني ماريو برغاس ليوسا، الذي حلم في شبابه بأن يغادر بلده، البيرو، قاصداً باريس بالذات، ليحقق رغبته في أن يستنشق الهواء الذي تنسم منه بلزاك وستاندال وبودلير وبروست، أفاد لاحقاً، بعد استقراره في فرنسا، بأنه رغم امتنانه لباريس كونها وفّرت له الكثير من الخبرة والمعرفة بأدب فرنسا والعالم، لكنه، من هناك، اكتشف بصورة أفضل بلاده البيرو وكل قارته الأمريكية اللاتينية.
ولأننا بصدد كاتبين من أمريكا اللاتينية علينا الوقوف عند وصف سبولفيدا لها بأنها، هي الأخرى، قارة من المهاجرين، تداخلت في نسيجها عدة ثقافات.