هل يقود ميلانشون انقلاباً للاستيلاء على "ماتينيون"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فارس خشان
يطالب تحالف اليسار في فرنسا باستلام الحكومة ووجوب أن يرضخ الرئيس إيمانويل ماكرون "لإرادة الشعب التي تجلت في صناديق الاقتراع" يوم الأحد الماضي.
ويطالب حزب "فرنسا الأبيّة" برئاسة جان لوك ميلانشون "الجبهة الشعبية الجديدة" التي خاضت متحالفة الانتخابات التشريعية بالموافقة على أن يكون رئيس الحكومة المقبل هو ميلانشون نفسه أو من يسمّيه حزبه، لأنّه نال "حصة الأسد" من النواب في حصيلة عمليات الاقتراع. ويقترح صقور حزب ميلانشون تنظيم مسيرة على قصر الإليزيه، بمجرد توافق تحالف اليسار على مرشحه، من أجل فرض التسمية فرضاً على ماكرون، إن استمرّ في التلكؤ في تعيين رئيس جديد للحكومة خلفاً لغبريال أتال الذي رفض رئيس الجمهورية استقالته "موقتاً".
ولا يرى حزب "فرنسا الأبية" مشكلة قد تحول دون تنفيذ برنامجه الانتخابي، إذ يزمع أن يحكم، عن طريق المراسيم، وفق "الاستثناء" الذي منحه دستور الجمهورية الخامسة للحكومة، وليس عن طريق القوانين التي تحتاج الى أكثرية مطلقة في الجمعية الوطنية. وهذا تدبير لجأت إليه الحكومة الفرنسية، مراراً، ولا سيما في السنتين الأخيرتين، وثار عليه ميلانشون وحزبه واعتبره "انقلاباً" على إرادة الشعب، وحاول، مراراً، بسببها أن يطيح بالحكومة من خلال طرح الثقة بها في البرلمان، لكنّها كانت تنجو من السقوط لعدم توافر أكثرية مطلقة ضدها. ولا تتسبب طروحات ميلانشون وصقور حزبه بصدمة في الأوساط السياسية الفرنسية، لأنّ الجميع، يُدرك صفات ميلانشون، فهو قادر على أن يحلّل لنفسه ما يحرّمه على الآخرين، فالفعل الذي يعتبره جريمة إن ارتكبه غيره يتعاطى معه كضرورة وطنية، إن اضطر هو على القيام به. بالنسبة لكثيرين، يعتبر ميلانشون واحداً من أبرز ورثة المدرسة السفسطائية اليونانية. صحيح أن غالبية السياسيين هم "سفسطائيّون"، لكنّ ميلانشون يتزعمهم من دون منافس.
ولكن، هل يمكن أن يصل وحزبه الى رئاسة الحكومة الفرنسية؟كل المعطيات المتوافرة، حتى تاريخه توحي باستحالة ذلك، نظراً لطبيعة النتائج التي انتهت اليها الانتخابات التشريعية، فحزب ميلانشون، ناهيك عن أنّه لا يتمتع بأكثرية مطلقة في البرلمان، فهو لا يتمتع، أيضاً، بتأييد حقيقي، داخل "الجبهة االشعبية الجديدة". صحيح أن جميع القوى اليسارية لا تريد أن تُنهي، بسرعة "التجمع" الذي خاض الانتخابات متحالفاً، لكنّ الصحيح أكثر أنّ الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي نال حصة وازنة في الانتخابات، لا يتقاطع مع ميلانشون وحزبه، بل هناك تعارض كبير بين الطرفين.
ويريد اليساريّون أن يحكموا، ولكنّهم يتطلّعون، بأكثريتهم الى تسمية شخصية قادرة على الجمع، من أجل تفعيل الديموقراطية البرلمانية، وبالتالي لا بد من التفاهم مع "المعسكر الرئاسي"، حتى يكون هناك قابلية للحكم. وأمس، أعلن رافاييل غلوكسمان، وهو من أبرز الشخصيات في القوى اليسارية أنّ الحل يكمن في تفعيل الديموقراطية البرلمانية، وليس في التطلع الى حكم بواسطة المراسيم.
وغالبية القوى الفرنسية، تعتبر أنّ ميلانشون يعظم من شأنه ويستخف بالآخرين، فأيّ حكومة يحاول أن يفرضها على رئيس الجمهورية وعلى القوى السياسية الأخرى، سوف تسقط فوراً، لأنّ أسهل فعل سيكون في البرلمان، هو توفير أكثرية مطلقة ضده. ووفق فرانسوا بايرو، أحد أركان "المعسكر الرئاسي" في الجمعية الوطنية الفرنسية، فإن جان لوك ميلانشون يضخم قوته، من خلال تشويه تصويت الفرنسيين، إذ إنّ الناخب الفرنسي لم يذهب الى صناديق الاقتراع لانتخاب "الجبهة اليسارية" بل المرشحين الذين بقوا في مواجهة تحالف اليمين المتطرف، وبالتالي ليس هناك إرادة فرنسية لتسليم الحكم الى الجبهة اليسارية ومن خلالها الى جان لوك ميلانشون.
ويعتبر إدوار فيليب، وهو ركن آخر في "المعسكر الرئاسي" أنّ المخرج السليم من الواقع الحالي، يكون بتوفير تحالف حكومي بين قوى الوسط واليمين المعتدل.
ويؤكد جيرار دارمانان، وهو الآخر ركن في المعسكر الرئاسي، ووزير الداخلية في الحكومة المستمرة بإرادة ماكرون، أنّه سوف يصوّت ضد كل قانون تتقدم به أي حكومة يسارية، وسوف يكون أول الموقعين على عريضة لإطاحة حكومة يسارية يمكن تشكيلها.
ويطالب أركان في "الجبهة الشعبية" بوجوب اعتماد الواقعية في تشكيل الحكومة، بحيث يكون هناك "تفكير ناضج" من شأنه السعي الى ائتلاف بين القوى التي تشكل منها "الحصن الجمهوري" الذي منع اليمين المتطرف من الحصول على أكثرية مطلقة بداية وعلى أكثرية نسبية لاحقاً. بالنسبة لهؤلاء هكذا ائتلاف يتوافق مع إرادة الأكثرية الفرنسية التي صوتت بكثافة تاريخية، يوم الأحد الماضي.
في خلاصة المعطيات المتوافرة حالياً في فرنسا، فهناك، حتى تاريخه، شبه استحالة في تمكين ميلانشون وحزبه من الوصول الى رئاسة الحكومة. استحالة قد تكون محور رهان "استراتيجية كسب الوقت" التي يعتمدها ماكرون، بحيث تؤدي "عقلنة" اليسار الى تفتيت تحالفه، ممّا يمكن رئيس الجمهورية، بعد انتهاء مرحلة السماح الناتجة عن الألعاب الأولمبية التي سوف تفتتح فاعلياتها في السادس والعشرين من تموز (يوليو) الجاري، من تشكيل ائتلاف حكومي من خارج تطرفي اليسار واليمين، سواء من خلال شخصيات سياسية أو شخصيات تكنوقراط.