جريدة الجرائد

قلب الهوية المحلية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يوسف أبو لوز

مصطلح (التراث) واسع ومتعدد الدلالات والمفاهيم.. بدءاً من معنييه المادي والمعنوي إلى أدوات قراءته، وليس انتهاء بنقده ومقارباته مع مصطلح الحداثة والهوية والمعاصرة.. ويأتي التراث الشعبي بشكل خاص على رأس مفاهيم جدلية سجالية منذ سنوات طويلة، مثل مفهوم الهوية، أي، بكلمة ثانية حين نعاين مصطلحاً مثل (التراث)، فنحن، فعلاً، في بحر أو في محيط، ولكن أشير أولاً إلى التراث الشعبي يتحدد عادة في ما هو مادي: أي التراث المادي: «المعمار، الأثر، القلاع، الزيّ، الطعام، أدوات الموسيقى، الأبواب، البراجيل في الإمارات.. الخ» ثم، التراث المعنوي: الشعر الشعبي، الحكاية الشعبية، الألغاز، الخراريف، أغاني الأعياد، أغاني الحصاد أو أغاني القطاف، أغاني الطهور أو الختان.. الخ..

ومرة ثانية نحن أمام مادة مترامية الأطراف ثقافياً، وميدانياً، وبحثياً، وأنثروبولوجياً، وأشير هنا سريعاً أن القراءة الأنثروبولوجية للتراث الشعبي هي من أجمل وأعمق القراءات، وأعمقها وأكثرها قدرة على مقاربة ما هو اجتماعي وما هو ديني ومعتقداتي في ثقافات الشعوب، وسريعاً مرة ثانية أحيل القارئ في هذا السياق أي السياق البحثي الأنثروبولوجي إلى المفكر بل الفيلسوف الروماني ميرتشيا إلياده 1907-1986 في كتابه المهم «البحث عن التاريخ والمعنى في الدين» – مركز دراسات الوحدة العربية – ترجمة: د. سعود المولى، ليقرأ المهتم في الثقافة الشعبية والمعتقد الشعبي والتاريخ المجتمعي الشعبي كيف تقرأ الفلسفة ظواهر مهمة جداً في حياتنا الثقافية مثل (التراث الشعبي)، وما يتفرّع عنه من مقاربات ثقافية وفكرية وجمالية في غاية الأهمية المعرفية، وللاختصار، أيضاً أحيل القارئ إلى عبد الكبير الخطيبي المفكر المغربي، الذي قرأ مثلاً ظواهر مثل (الوشم) على الجسد في كتابه القديم (الاسم العربي الجريح).

قراءة التراث الشعبي بهذه المناظير الفكرية والجمالية، هي إذاً، قراءة فلسفية بالدرجة الأولى إذا أردت،.. والسؤال هنا.. هل قرأنا نحن العرب تراثنا الشعبي على قاعدة فلسفية، أنثروبولوجية، فكرية، أم أننا مررنا مرور الكرام على مئات الظواهر في التراث، وتركنا الباقي، لأقلام غربية غير عربية، وهذا ما جرى بالفعل ومن خلال المكان العربي وعمقه ومفرداته وإشاراته الشعبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تذكر معي ذلك الكتاب الصغير (الكبير) والجميل الذي وضعه الروائي والكاتب المسرحي الألماني إلياس كانيتي 1905-1994، الذي زار المغرب في الخمسينات من القرن العشرين وأنجز في زيارته القصيرة تلك، كتابه (أصوات مرّاكش) وقرأ فيه ثقافة السوق، والساحة، والحوانيت، والناس، وأصوات الأشياء وروائحها وألوانها في ذلك المكان الشعبي العربي المغربي، منطلقاً أساساً من منظور الثقافة الشعبية القائمة على تراث مادي ومعنوي بالدرجة الأولى.

.. هل هناك مناطق في تراثنا العشبي لم تدرس بَعْد..؟؟ أكاد أجيبك على هذا السؤال انه، أصلاً مناطق التراث كلها أو أغلبها لم تقرأ بعد، وإن قرئت هذه المناطق، فهي قراءات مدرسية، كلاسيكية، في معظمها، ولم توضع في مختبرات أنثربولوجية على طريقة مختبر (ليفي شتراوس) أو مختبر (غاستون باشلار)، ولكن، لكي لا نظل نلطم وجوهنا دائماً، أقول، إن دراسة التراث الشعبي، دراسة عربية، متفائلة أحياناً، بل مهمة في بعض الأحيان – حين نتابع انشغالات باحثين من مثل د. محمد فخر الدين (المغرب)، في كتابه (موسوعة الحكايات الشعبية المغربية)، والباحث محمد الجويلي في كتابه (الأم الرسولة = رسالة الأم في الحكاية الشعبية العربية) وهي دراسة أنثروبولوجية نفسية، أما الدكتور سيد فارس فقد جمع 1080 حكاية من شمال صعيد مصر في (موسوعة الحكايات الشعبية)، وذلك في ثلاثة أجزاء تشكل معاً 1970 صفحة من القطع الكبير، وهو جهد ضخم جداً، ولكن مع الإشارة أن هذا الجهد هو – جمع للحكايات وليس قراءة أو دراسة منهجية لها، ومع ذلك، مرة ثانية إنه كنز حكائي باللهجة الشعبية يكشف بالضرورة عند قراءته قراءة مختبرية عن الحس الديني، والمعتقدي، والشعبي.

تلاحظ هنا، في هذه المادة الموجزة، اهتمامي الخاص بالحكاية الشعبية العربية كجزء من التراث الذي في رأيي المتواضع لا يتناقض مطلقاً مع المعاصرة ومع الحداثة.

الحكاية الشعبية بوصفها نسيجاً من أنسجة التراث الشعبي كانت ولا تزال في الإمارات تقع دائماً في حقل الجمع،.. نعم الجمع المجتهد والمسؤول على يدي باحثين محترمين (على سبيل المثال) هما: د. عبد العزيز المسلم، وأحمد راشد ثاني، وبالطبع هناك باحثون إماراتيون عمليون ومحترمون اشتغلوا على التراث الشعبي، والثقافة الشعبية: عبد الله عبد الرحمن، عبد الله الطابور، سلطان العميمي، د. حمد سراي، وفالح حنظل، ومحمد أحمد عبيد، وغيرهم كثر، ومع ذلك، هناك بالفعل مناطق أو لنقل هناك آفاق تراثية شعبية لم تدرس بعد،.. وهنا، لنضع هذا التساؤل أمامنا.. هل جُمعت وقُرئت ودُرست حكايات البحر، وحكايات الجبال، وحكايات الصحراء في الإمارات؟.. وإذا حظيت هذه المادة ببعض أو بالكثير من الجمع والتدوين والأرشفة وحتى النشر.. هل قرئت جيداً في مختبرات بحثية تقوم على منهج أو عدة مناهج ذات صيغ فكرية، فلسفية، أنثروبولوجية،.. هذا السؤال موجّه إلى كل من هو منشغل بالثقافة الشعبية في الإمارات، وهو سؤال لا يقلل أبداً من تعب أولئك النفر الإماراتي الباحثين، بل، هو سؤال يحرّض على فتح ملف الثقافة الشعبية الإماراتية التي هي قلب الهوية الثقافية المحلية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف