جريدة الجرائد

انحراف مسار في الثقافة العربيّة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل علينا الآن بشيء من الفكر الاستجلائي، حتى نعرف بالضبط مكان الأمّة ومكانتها؟ يبدو أنها من دون أن تتفكر «في الدنيا ومهجتها، أقامها الفكر بين العجز والتعبِ»، بينما كانت آمال شعوبها أن تترك «في الدنيا دويّاً كأنّما، تَداولُ سمعَ المرء أنمله العشرُ». اليوم، تكفينا أنملة نملة.الوعي واليقظة والتحول الإيجابي، كلها شؤون ثقافية، فهنا مبحثها. ثمّة منعطف مشبوه حدث فيه للثقافة العربية ما حدث. المشهد طريف تراجيكوميدي: حشود من المثقفين العرب كانت سائرةً على غير هدى، فجأةً استبدّ بهم قُطّاع طرق ثقافية، أعطوهم أقراص هلوسة، اسمها الحداثة وما بعد الحداثة، فأضحوا وأمسوا يهذون بها صباح مساء. بعد سنوات انتهى مفعول تلك الحبوب، وانتهى أيضاً مفعول تلك الفئات من المثقفين. اليوم، كأنما الأرض ابتلعتهم وأقلعت سماء إبداعهم المزعوم. ما بعد الحداثة، الذي رسب في الأرض، بعد ذهاب الزبد جُفاء، هو مشاهد ما بعد الزلازل والتسوناميات في ليبيا والعراق والسودان وغزّة، ومن يدري بغيب العواقب؟لم يسأل مثقفونا، الذين أضاعوا مواهبهم منساقين وراء موضات تنتحل الإبداع بغير حق: ما هي علاقة تلك التيارات بالنمو الطبيعي لمسيرة الأجناس الأدبيّة والفنية العربية؟ هل يُعقل أن يكون استنساخ داديّة أدبية عربيّة، امتداداً طبيعيّاً للإبداع العربي القروني؟ إذا صحّ أن دانتي أليجييري استوحى «الكوميديا الإلهية» من المعرّي، فهو أذكى من الحداثويين العرب، الذين لم يجدوا ما يهدونه إلى لغتنا وثقافتنا وأدبنا، غير القشور والهباء الذي ذرته الرياح.لا نشغل أذهاننا بنظرية المؤامرة، حتى لا يصير الانشغال في حدّ ذاته مؤامرة. المهمّ هو أن ذلك الخروج، أو الإخراج، من جادّة الإبداع النابع من الهويّة، انحدر بلغتنا وثقافتنا وآدابنا وفنوننا، إلى الانفصال التام عن التنمية والعصر والتاريخ. تأمّل جيّداً: طوال الخمسين سنةً الأخيرة، لم يلعب المثقفون العرب أدواراً رائدةً فاعلةً في الوعي العام.المسألة منطقية: كيف يمكن أن تصنع وعياً ثقافياً ويقظوياً نهضوياً، وتنموياً بإرادة طموحة فاعلة، بنصوص حداثوية وما بعد الحداثوية؟ حينئذ أفضل عمل خيريّ تسديه إلى الثقافة، هو أن تقتادها كظاهرة باثولوجية إلى العيادات النفسية. طوال نصف قرن لم يقدم المثقفون العرب أيّ مشاريع تذكر لإنقاذ الإنسان العربي من التدهور التاريخي الحضاري الذي يجرفه قسراً إلى حيث لا يعلم. هل الثقافة مجرّد نصوص شعريّة وقصصيّة، وكفى؟لزوم ما يلزم: النتيجة الكاريكاتورية: طرح هذا التفكير بصوت أوبرالي، يقال عنه، إنه موتور يغرّد خارج السرب. 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف