جريدة الجرائد

عبدالعزيز بن سلمان.. رجل الطاقة في زمن «الرؤية»

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نجيب يماني

مثّل اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية عام 1938م، علامة فارقة في مستقبل الطاقة على مستوى العالم، في مسار طويل من الإنجازات والتحديات الجسام التي خاضتها المملكة، في هذا المجال، منذ إنشاء «مصلحة الأشغال العامة والمعادن» في العام 1935م، انتقالًا إلى تأسيس «المديرية العامة لشؤون البترول والمعادن» عام 1952م، تتبعان لوزارة المالية آنذاك، لتكون الانتقالة بتحويل المديرية إلى وزارة تحت مسمى «وزارة البترول والثروة المعدنية» في العام 1960م.

وظلت الوزارة خلال هذه المدة تقدم عطاءً عظيمًا، عبر تضحيات كبيرة لكل من تسنّم كرسيها، فحفظ لهم التاريخ صنيعهم، وكتب سير العطاء سطورهم بمداد من نور، وظلوا في الذاكرة المضيئة عطاء ووفاء لوطنهم الأبي.

غير أن النقلة الحقيقية والنظرة المغايرة لمفهوم الطاقة جاءت مع هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حيث تم تعديل مسمى الوزارة في العام 2016م، عام إعلان الرؤية المباركة، لتصبح «وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية»، ليتم من ثمّ؛ وفي العام 2019م إفراد الطاقة عن الثروة المعدنية، لتصبح «وزارة الطاقة»، وهو العام نفسه الذي شهد تعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيرًا للطاقة، ورئيسًا لمجلس إدارة هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، لتبدأ «الطاقة» رحلة جديدة مغايرة في المفاهيم بتطلعات جديدة، وأفكار تستشرف آفاقًا بعيدة مع «الرؤية»، وتخوض تحديات كبيرة أظهرت القدرات العقلية والفكرية والتنظيمية التي يتمتع بها الأمير عبدالعزيز، فجسّد بعزمه وصنيعه ومجابهته للتحديات التي واجهت الوزارة، أجلى المعاني في قول الحكيم المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

فلئن كانت وزارة الطاقة قد شهدت في كل مراحلها السابقة سياقًا من التطور، وضربًا من المواجهات التي تأرجحت بها وسط عاصفة المتغيرات العالمية على تباينها؛ فإنها في عهد الأمير عبدالعزيز واجهت أكبر التحديات وأخطرها، وتمثل ذلك في عدة تجليات ومظاهر: أوّلها، إعلان المملكة عن رؤية 2030 المباركة، والتي غيّرت المفاهيم المتوارثة، والصور النمطية عن المملكة، بما كان لزامًا فكّ ارتباط اقتصادها وميزانيتها ودخلها القومي من حتمية الارتباط بالبترول، بوصفه المورد الوحيد، والذهاب باتجاه تنويع مصادر الدخل القومي، وتفعيل النشاط الصناعي تحديدًا، وتوفير بدائل الطاقة العديدة للإيفاء بهذا المطلب المهم، وفي هذا تجلّت قدرات الأمير عبدالعزيز، ورؤيته الباصرة، واستشرافه العميق لمتطلبات المرحلة والمتغيرات الكبيرة في عالم الطاقة، ولهذا جاءت كلماته في فعالية «وطن يصنع»، ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقها ولي العهد، واضحة ومبشرة، بقوله: «لقد أضعنا 40 سنة كان باستطاعتنا أن نكون خلالها مثل الهند والصين في مجال الصناعة، ولكننا قررنا ألا نضيع وقتًا آخر بهذه الاستراتيجية الجديدة للصناعة».. بهذه الكلمات حدد الأمير عبدالعزيز مسارًا جديدًا للطاقة، استلزم إيجاد بدائل لاستخدامات البترول، وهو ما شهدته الوزارة في هذا العهد الزاهر، عبر الاستفادة من الطاقة الشمسية والكهربائية، وتشجيع البحث نحو بدائل أخرى للطاقة النظيفة، وهو عين ما أشار إليه الأمير عبدالعزيز بقوله: «سننفذ مشاريع في قطاع «توليد الكهرباء» والنقل والتوزيع قد تصل إلى تريليون ريال».

وثاني التحديات التي واجهتها الوزارة في عهد الأمير عبدالعزيز تمثل في التغيرات المناخية الكبيرة، وظاهرة الاحتباس الحراري، بما استوجب التقليل من الانبعاثات الكربونية، الأمر الذي وقعت مسؤوليته على المملكة بشكل مباشر، بوصفها الأعلى إنتاجًا للبترول في منظمة «أوبك»، فكانت المملكة على قدر التحدّي، وعملت وزارة الطاقة على مبدأ الحياد الكربوني، والتزمت بالموجّهات العالمية؛ فسبقت العالم بالمبادرات المعالجة للبيئة، والمحافظة على المناخ، فكان ذلك تحديًا عالميًا خاضته الوزارة، وقدمت من خلاله النموذج الأمثل لماهية تغليب المصالح الإنسانية، وتقدير المنفعة العامة.

أما ثالث التحديات الكبيرة التي واجهتها وزارة الطاقة في عهد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، فتمثل في جائحة كورونا، واختلال الموازين الاقتصادية العالمية، وتأرجح إمدادات الطاقة تبعًا للاحترازت من فشو الجائحة عالميًا، لتضرب المملكة، ممثلة في وزارة الطاقة، المثل الأعلى في الالتزام بتوفير الطاقة، مع المحافظة على أسعار النفط عالميًا بالقدر الذي تسمح به ظروف الجائحة، لتعبر بالعالم أجمع من أزمة الجائحة دون أضرار كبيرة، ولتسجّل بأحرف من نور ملحمة ستبقى خالدة في ذاكرة الزمان.

ويأتي رابع التحديات التي خاضتها وزارة الطاقة مع الأمير عبدالعزيز متمثلًا في ملحمة التوطين، وتفعيل دور المرأة في هذه الوزارة، فقد ظلت المرأة السعودية بعيدة عن هذا القطاع، ولا إسهام لها فيه على الإطلاق، وهو الأمر الذي أشار إليه سموه في سياق كلمته في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية، بأنه وفقًا للإحصائيات فإن مشاركة المرأة في قطاع الطاقة عالميًا تعد قليلة مما يجعل المهمة أمام القطاع كبيرة وصعبة ولكنها قابلة للتحقيق بالنهج الشامل.

وتأكيده من ثمّ أن قطاع الطاقة يعمل باستمرار من أجل تمكين المرأة، ويتواصل مع المدارس والجامعات لاستقطاب المواهب الشبابية، وأن لدى القطاع استراتيجيات ومؤشرات أداء رئيسية لتحقيق المستهدفات من خلال التركيز على القدرات البشرية، وأن الوزارة تعمل على برنامج لتوطين قطاع الطاقة بنسبة 75%، وأن قطاع الطاقة له الفرص الأفضل لتحقيق أهداف التوطين بحلول 2030.

إن من العسير جدًا على مقال محدود المساحة أن يستوفي منجزات وزارة الطاقة، وقيادة الأمير عبدالعزيز لها، بما يتمتع به من كاريزما وقدرات شخصية تتمثل في عمق النظرة، وبعد المرمى، والقراءة البصيرة للواقع، وفهم مترتباته، وإحكام الاستراتيجيات والحلول المتعددة لكافة المتغيرات، والتماهي معها بروح المواكبة والمرونة المطلوبة، مع الإبقاء على الثوابت، وتقدير مصلحة المملكة وعدم الخضوع لأي مظهر من مظاهر التأثيرات الخارجية والاستجابة لها؛ إلا بالقدر الذي يحقق المنفعة والمصلحة للمملكة واقتصادها، ويحفظ التوازنات الإقليمية والعالمية على هذه القاعدة، وتكفي الإشارة في ذلك إلى قيادتها الواعية لمنظمة «أوبك»، ورده المفحم والعميق على مراسل «رويترز» في أحد المؤتمرات الصحفية بالعاصمة النمساوية برفضه القاطع لأن تصبح التقارير الصحفية معملاً لإطلاق بالونات الاختبار، لقياس رد فعل المملكة تجاه المواقف والقراءات الخاطئة لمواقفها فيما يتصل بالطاقة..

كل التقدير والاحترام للأمير عبدالعزيز بتواضعه وطيبته وتفانيه في خدمة وطنه،

والحمدلله رب العالمين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف