جريدة الجرائد

حــلـــف شمـــال الأطـــلــسي يتشدد مصعـِّـــــداً...؟!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صدقة يحيى فاضل

عقد حلف شمال الاطلسي اجتماعه السنوي الدوري على مستوى القمة، أي رؤساء الدول الأعضاء التسعة والعشرين. وذلك يومي 9 - 11 يونيو 2024م، في واشنطن، في جو كان متوقعا أن يكون شبه احتفالي، بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاما على إنشاء الحلف، أي ثلاثة أرباع القرن. ورشح عن هذا الاجتماع ظهور بعض الخلافات، التي تواجه، عادة، كل حلف، ونشوب توتر فيما بين بعض أعضائه... اعتبرها البعض تهديدا لاستمرار الحلف العتيد. ولكن، يبدو أن الحلف تجاوز هذه الخلافات، وفي مقدمتها ما يجب أن يكون عليه دور الحلف، تجاه الوضع في أوكرانيا. ونسلط في هذا المقال بعض الضوء على أبرز ما تمخض عن هذا الاجتماع، وموقف الحلف، تجاه ما يواجهه من تحديات.

وكما كان متوقعا من هذا الاجتماع، اهتم بما يجري على الساحة الدولية، والقضايا التي تهم هذا التكتل، وفي مقدمتها: أزمتا الحرب في أوكرانيا، وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة. واهتم الاجتماع بتصفية الخلافات البينية التي عكرت جو «ناتو»، وقلصت من درجة الانسجام فيما بين بعض اعضائه.

وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني – السياسي الأكبر لمعظم أعضاء هذا الحلف. ومعروف، أنه بعد زوال الاتحاد السوفييتي، طلبت روسيا الانضمام لحلف «ناتو» كعضو كامل العضوية، كما سبق وأشرنا، فرفض طلبها، لكونها دولة «مختلفة ومنافسة». ثم طالبت لاحقا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقا تجاه حدودها الغربية، فلم يستجب لهذا الطلب أيضا. وما ذكر عن روسيا، يقال أيضا، ودون شك، عن بقية خصوم أمريكا والغرب.

****

وقد امتدح رؤساء الوفود، في كلماتهم الافتتاحية، دور الحلف في «حماية ونشر الديمقراطية، وحكم القانون في دوله الأعضاء، وغيرها»...؟! وأعربوا عن حرصهم على الإبقاء على الحلف، ودعمه. فهذا الحلف يحمي – كما قيل – قرابة مليار شخص. كما اعترفوا بوجود خلافات لا بد من السعي لحلها، في أقرب فرصة ممكنة. والواقع، أن أغلب هذه الخلافات نشبت بعد مطالبة أمريكا الأعضاء بتحمل تكاليف أكثر، ومجاراتها في سياساتها، حتى المتخبطة والمتصهينة منها.

أنشئ حلف شمال الأطلسي (NATO) يوم 4 /‏ 4 /‏ 1949م، للدفاع عن الغرب المتنفذ وتوابعه، ضد ما يهددهم من أخطار، وفي مقدمتها الخطر الشيوعي الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي السابق. وقام هذا الحلف أثناء صراع الدولتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي). كان تأسيسه سببا، ونتيجة، للحرب الباردة التي اندلعت بين هذين الطرفين. وكرد فعل على قيام حلف «ناتو»، أنشأ الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه، حلف وارسو، يوم 14 /‏ 5 /‏ 1955م. وكان هناك معسكران متنافران متضادان (القطبية الثنائية)، يسيطران على العالم، المعسكر الغربي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي (حلف وارسو) بزعامة الاتحاد السوفييتي.

وكان هدف حلف ناتو، وما زال، هو: الحفاظ على حرية وأمن أعضائه، كما جاء في الموقع الإلكتروني الخاص بالحلف، ومقره بروكسل. فالحلف يعبر عن: «التزامه بالقيم الديمقراطية، وتقاسم الموارد التي من شأنها تعزيز الدفاع والأمن للدول الأعضاء، من خلال منع وإيقاف الصراعات، مع التأكيد على أن استخدامه للعمل العسكري لا لبس فيه، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية». ذلك بعض مما جاء في النظام الأساسي للحلف. كما أن «التزام الحلف بالقيم الديمقراطية» أمسى، في كثير من الحالات، مجرد ادعاء... ولا بد من الإقرار بأن من ضمن أهداف بقاء «ناتو»، ودعمه، استمرار ودعم الهيمنة الكونية الأمريكية.

****

إن حلف ناتو هو تكتل عسكري - دبلوماسي، أنشئ بموجب معاهدة شمال الأطلسي، والتي تعرف أيضا بمعاهدة واشنطن، وذلك لمواجهة التهديد الشيوعي، المتمثل في الاتحاد السوفييتي، بصفة أساسية، بعد أن نشر الأخير قواته في وسط وشرق أوروبا، عقب الحرب العالمية الثانية. وأعضاؤه الأصليون 16 دولة، هي: بلجيكا، أمريكا، فرنسا، الدنمارك، كندا، آيسلندا، إيطاليا، لوكسمبرج، هولندا، النرويج، البرتغال، بريطانيا. ثم انضمت إليه فيما بعد اليونان، تركيا، ألمانيا الغربية (ألمانيا)، إسبانيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، التحقت به 13 دولة، كانت أعضاء في حلف وارسو، وهي: تشيك، المجر، بولندا، بلغاريا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، ألبانيا، كرواتيا، الجبل الأسود...أي أن عدد أعضائه الآن وصل إلى 29 دولة، حوالي نصفهم كانوا أعضاء في حلف وارسو. وسيصل إلى 32 دولة عندما تنضم إليه جمهورية شمال مقدونيا، والسويد، وفنلندا، رسميا وقريبا.

****

ومن أهم ما صدر عن اجتماع واشنطن، من قرارات: نشر صواريخ باليستية نووية أمريكية، طويلة المدى، في ألمانيا، القريبة من روسيا، بدءا من سنة 2026م. وتشمل صواريخ «اس ام - 6»، و«توما هوك»، وأسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، وذات مدى أبعد من تلك الأسلحة التي تمتلكها القوى الأوروبية، في الوقت الحاضر.

وأشاد المؤيدون بهذا القرار، باعتباره «يعزز أمن أوروبا». بينما أثار استياء روسيا، وحلفائها. إذ أشار المنتقدون، ومنهم ألمان، وأطلسيون، إلى الغضب الروسي، واعتبار القرار استفزازا كبيرا، يتطلب رد فعل مناسب. وغالبا ما سيؤدي إلى تفعيل سباق تسلح جديد، سيمثل خطورة على كل المعنيين. وتعتبر ألمانيا واحدة من عدة دول تستضيف قواعد، وأسلحة نووية أمريكية (تابعة للناتو). وهناك معارضة ألمانية محلية، لهذا الانتشار النووي. إذ تسبب هذا القرار في حدوث توترات جديدة داخل الائتلاف الألماني الحاكم حاليا، والذي يتزعمه المستشار «أولاف شولتز».

****

إن العلاقة بين هذا الحلف، وروسيا، هي دائما متوترة، يسودها الحذر، والقلق. يقول خبراء إن هذه العلاقة دخلت منعطفا جديدا، وخطيرا، بعد قمة واشنطن هذه، وبعد أن قرر الناتو نصب صواريخه هذه في ألمانيا، وتأكيده، في بيانه الختامي، أن روسيا تشكل تهديدا متصاعدا لدول الحلف، التي تعهدت دوله بتقديم أكبر دعم ممكن لأوكرانيا، رغم وعد الحلف، في بيانه الختامي، بعدم وجود رغبة لديه قي المواجهة المباشرة مع روسيا.

قال الرئيس «فلاديمير بوتن»، منتقدا هذا التصعيد الغربي، مع بلاده: «ممثلو دول الناتو، وخاصة دول أوروبا، وخاصة الدول الأوروبية الصغيرة، يجب أن يفهموا بماذا هم يلعبون. ويجب أن يتذكروا أن دولهم صغيرة المساحة، كثيفة السكان». أما «ديمتري ميد فيديف»، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، فكان أكثر حدة تجاه هذا التصعيد الغربي. إذ قال: «يتعين على روسيا أن تعمل كل شيء، حتى ينتهي طريق أوكرانيا، الذي لا رجعة فيه إلى حلف الناتو. وذلك باختفاء هذه الدولة، والحلف نفسه».

وتظل أزمة أوكرانيا هي الأخطر، حتى إشعار آخر، على السلم والأمن الدوليين. فالغرب يريد ضمها لحلف ناتو، وانتصارها في حربها ضد روسيا. وروسيا تريد ضم المناطق الخمس (الروسية - الأوكرانية) لروسيا نهائيا، ويصبح ما تبقى من أوكرانيا دولة محايدة، لا يمكن، بسبب موقعها، أن تنضم لحلف ناتو، العدو الألد لروسيا. والغرب المتنفذ، متجسدا في ناتو، يتدخل في هذا الصراع، ويحارب روسيا عبره، رغم تأكيده، من حين لآخر، بعدم رغبته في الاصطدام مباشرة مع روسيا. ذلك الاصطدام (المحتمل)، الذي يعني - إن حصل، لا سمح الله - قيام الحرب العالمية الثالثة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف