جريدة الجرائد

هل ستنهار الأسواق المالية؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد سليمان العنقري

الهبوط الحاد في اسواق المال العالمية الذي حدث قبل نحو اسبوعين لم يكن عابراً حتى لو أن المؤشرات استعادت جزءا كبيرا مما خسرته خلال يومي تداول، فهذه الارتدادات متوقعة وغالباً ما تكون من مضاربين بمختلف فئاتهم الاعتبارية أو الفردية، وهدفها استيعاب ما حدث بإخراج سيولة للتحوط من الفترة القادمة، مع استغلال اي خبر ايجابي لإحداث ارتفاعات سريعة، فهذا ما يجب التنبه له حتى يثبت العكس، فطرق التخدير وفرض واقع ايجابي الظاهر سلبي الباطن امور تحدث بالأسواق وليست بالجديدة، والهدف أن ينسى المتعاملون ما حدث ويعتقدوا انها سحابة صيف فقط، فهذا الوصف هو لكي لا ينسى المتداولون من اصحاب المحافظ الصغيرة أن ما حدث يجب أن يبقى امام اعينهم.

لكن سؤال المتداولين سيكون إلى متى سنبقى حذرين وكيف نصل لليقين بأحد الاتجاهين للسوق سواء الارتفاع لمستويات جديدة أو العودة للهبوط مجدداً، فأول ما ينظر له المتداول هل اسعار الشركات - خصوصا الكبرى منها - عادت لمستوياتها في قمة السوق، فسهم مايكروسوفت وصل في قمته إلى 468 دولارا ورغم أن المؤشرات استعادت جل خسارتها لكن سعره حالياً عند 416 دولارا، ويقاس على ذلك اغلب الشركات خصوصاً المؤثرة في حركة الاسواق ، لكن الاهم هو النظر للمسببات الرئيسية، فالنظرة للاقتصاد الامريكي باتت سلبية ويوصف بأنه على حافة الركود بعد اربعة أشهر متتالية من التراجع في توليد الوظائف وارتفاع للبطالة بوقت قصير إلى 4،3 بالمائة من 3،6 قبل نحو عام تقريباً، وهي من المؤشرات الاساسية التي فرضت حالة من الهلع بالأسواق اضافة إلى اهتزاز الثقة بالفيدرالي الامريكي من حيث سرعة التجاوب مع تطورات الاقتصاد، فاغلب البنوك المركزية الكبرى بالعالم خفضت اسعار الفائدة من عدة شهور قريبة، بينما اجل باول واعضاء مجلسه الخفض المنتظر إلى سبتمبر، فيما قدر الخبراء أن الوقت المناسب للتخفيض كان يفترض انه بدأ من شهر مارس أو يونيو الماضيين، الى اضافة لذلك فإن ما يشبه الصراع السياسي في السباق الانتخابي كشف عن توجهات للمرشحين قد يكون لها دور بضعف الاقتصاد، فترامب ذكر انه سيفرض رسوما بأكثر من 60 بالمائة على المنتجات الصينية، وانه سيعمل على خفض الانفاق الحكومي وكذلك لديه خطة لخفض اسعار الطاقة، فهل تكون بإغراق الاسواق بمزيد من انتاج النفط والغاز، وكيف سيكون لذلك اثر على اسعار النفط وحجم الاستثمارات بهذا القطاع؟

أما المرشحة هاريس فلديها برنامج مليء بالتخفيضات الضريبية وحجم انفاق عال؛ مما يعني مزيدا من الديون السيادية فهل تستطيع أن تحصل على موافقات من مجلس النواب لزيادة الدين، فقد يكون ذلك معطلاً لكل برنامجها وبذلك سيضعف النمو الاقتصادي الامريكي ، خصوصا أن حجم الديون بالعالم اصبح مقلقاً جدا، ولأميركا دور كبير في ارتفاع مستوياته إلى ما يقارب 310 تريليون دولار من خلال حجم اقتراضها الضخم في اخر 15 عاماً الماضية.

وعلى صعيد الآراء المهمة في الاسواق فقد شكل رفع وارن بافيت حجم السيولة لديه وبيعه لاسهم في شركات كبرى مثل آبل وبنك اوف اميركا اشارة سلبية للأسواق؛ لان شركته الاستثمارية تعد من الاضخم بالعالم وتعتبر مؤشرا ارشاديا لحركة الاستثمارات، يضاف الى ذلك تصريحات المستثمر ديفيد روش الذي حدد عدة اسباب للانهيار المتوقع، مثل عدم خفض الفائدة بالنسبة المطلوبة لتدارك الوقوع في ركود، وكذلك فقاعة اسهم الذكاء الاصطناعي وتباطؤ الاقتصاد الامريكي، ويتوقع أن تهبط الاسواق بحدود 20 بالمائة وهي نسبة عالية تشير لتصحيح كبير، وسيكون هبوط اسعار الشركات بنسب اعلى من هذا الرقم اذا تحققت هذه التوقعات.

أما الاقتصادي الشهير روبرت كيوساكي مؤلف كتاب الاب الغني الاب الفقير فقد قال: «الأسواق قد تشهد انهيارا هو الأكبر في التاريخ اعتنوا بأنفسكم، أوقات مثيرة تنتظرنا يمكن أن يكون الاصطدام أمراً جيداً إذا كنت مستعداً»، ويشير بحديثه الى أن هذا الهبوط سيولد فرصاً لصناعة اثرياء جدد ممن هم مستعدون لها ، لكن بالمقابل هناك من يرى أن كل ما هو محيط بالأسواق من حالة تشاؤمية مبالغ فيها، وان الاسباب تتمحور حول ما يدور بالسباق الانتخابي في اميركا، وانه عندما تعلن نتيجتها فإن كل هذه التذبذبات بالأسواق ستنتهي، وقبل ذلك اذا قام الفيدرالي بخفض الفائدة بنصف نقطة في سبتمبر، وذكر أن الوضع الاقتصادي ليس مقلقاً وانه سيستمر بخفض الفائدة ولم يعد هناك ما يقلقهم بملف التضخم، اضافة الى خفض التصعيد بالأحداث الجيوسياسية عالمياً، فإن كل ذلك سيكون له دور بإعادة تقييم المرحلة القادمة، وانه حتى لو حدث تراجع بالأسواق سيكون مقبولاً وبهدف اعادة تقييم الاسعار وتوزيع المراكز من جديد استعداداً لفترة صعود قادمة.

المتعاملون بالأسواق بكل تأكيد في مرحلة حيرة تجبرهم على التردد في قراراتهم وهذا واقع الحال مع هذه التباينات في التوجهات وتعدد المؤثرات على الاسواق السلبي منها والايجابي، لكن افضل طريقة للتعامل هي التحوط والتأني في بناء المراكز الاستثمارية خلال الشهور القليلة القادمة التي سيظهر فيها الكثير من الاخبار والقرارات الاقتصادية والسياسية، وبعد ذلك ستتضح وجهة الاسواق بشكل افضل ويمكن اتخاذ القرارات الجيدة بدون أن يكون هناك ضغوط أو عدم يقين بالاتجاه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف