قلق حول حرية التعبير في بريطانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الإجراءات التي اتخذتها حكومة الزعيم البريطاني السير كير ستارمر بغرض توحد وتلاحم مجتمعات الأمة وطوائفها، في قوله، عمقت الانقسام الثقافي والاجتماعي والسياسي (وحتى العرقي في تفسير البعض).
فمن ناحية، هناك ترحيب عبّر عنه المستهلك الإعلامي لتغطية المؤسسات الكبرى الشهيرة (المؤثرة في أكثر من ثلاثة أرباع الرأي العام) بأحكام قضائية رادعة بعد مثول أكثر من نصف ألف شخص أمام المحاكم بتهم العنف وتعكير السلام والاعتداء على أشخاص أو ممتلكات في مظاهرات الاحتجاج التي شهدتها مدن بريطانيا (راجع تغطية «الشرق الأوسط» ومقالاتنا الأسبوعين الماضيين)؛ ومن ناحية أخرى الاستياء متزايد (أكثر من نصف البريطانيين في الإحصاءات) من تطبيق القانون «بمكيالين». فمن سمتهم حكومة ستارمر «بلطجية اليمين المتطرف» (رغم أن أغلبيتهم فوضويون تحت تأثير الشراب ومن مشاغبي مباريات الكرة) مثلوا أمام المحاكم في فترة قياسية، في حين ينتظر المتضررون من جرائم كالسرقة بالإكراه والنصب، والاعتداء الجسمي، والاغتصاب، شهوراً طويلةً قبل نظر قضاياهم.
الانقسام - على خطوط الحرب الثقافية - بدا في التغطية والتسميات السياسية؛ وإذا كانت الفوارق اللغوية والثقافية عذراً للصحافيين غير البريطانيين في تسمية الاحتجاجات على سياسة الهجرة بـ«مظاهرات ضد المهاجرين»، فما هي حجة معلقي اليسار في الصحافة البريطانية؟
المنتقدون لخطوات بوليسية اتخذتها حكومة ستارمر كاستخدام برامج الذكاء الاصطناعي في كاميرات التعرف على الأشخاص من وجوههم (عدّتها جمعيات حقوقية «عنصريةً» لأن البرامج لا تزال غير ناجحة مع وجوه غير البيض) ترتفع نسبتهم في مجموعتين؛ منظمات وجمعيات حقوق الإنسان والمحامين (أكثر من ثلاثة أرباع)، وتيارات الوسط ويمين الوسط والليبرتاليين (libertarians) (أكثر من 85 في المائة).
الانقسام الآخر بدا أكثر عمقاً حول حرية التعبير، فالتيارات اليسارية ترحب باتجاه ستارمر وحكومته لفرض إجراءات رقابية، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، وخطوة وزيرة المعارف العمالية، بريجيت فيليبسون، بتجميد القانون الذي أصدرته حكومة المحافظين السابقة بضمان حرية التعبير ودراسة كل الأفكار في الحرم الجامعي بسبب تفشي ظاهرة «اللامنبرية» (رفض الطلاب وصغار المحاضرين اليساريين السماح لمن يحمل أفكاراً مخالفةً بإلقاء محاضرات أو الاشتراك في مناظرات).
الوزيرة فيليبسون أثارت انقساماً آخر يوم الخميس في مقابلتها في «بي بي سي» (يفترض بشأن نتائج الامتحانات) عندما طُلب منها توضيح نية الحكومة تدريب أطفال المدارس على التعرف على «الأخبار الزائفة، والمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة» على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكعادة السياسيين تلاعبت الوزيرة بالألفاظ وتجنبت إجابات مباشرة محددة، مكتفية بما يروق للمستمعين (مع الأخذ في الاعتبار أن أغلبية مستمعي البرنامج الإخباري من يسار الطبقة الوسطى ومن ناخبي العمال)، بأن الهدف توعية أطفال المدارس بتجنب ما هو ضار!
الاقتراح ينقسم حوله المعلمون بنسبة متساوية تقريباً (الاتحاد العام)، أما اتحاد نظار المدارس (وأعضاؤه أكبر سناً) فثلثاه يرونه «غير عملي»، ويفضلون تدريس التفكير كأساس معرفي. فتعريف ما هو معلومات مضللة أو أخبار زائفة أو تفسير تآمري، لا يخضع لمقاييس علمية، بل يعود للذوق والمصلحة الذاتيين، ويتأثر بالاعتقاد الآيدولوجي، وعوامل ثقافية كالبيئة الاجتماعية والديانة، وغالباً ما تجده مجموعة ما مناقضاً لمصلحتها وتعده «زائفاً». ولعل المثال الأسهل فهماً هو نشر معلومة بطريقة «لا تقربوا الصلاة»، خصوصاً وأن محركات البحث توظف برامج الذكاء الاصطناعي، وغالباً سيفوتها أن التضليل هنا مصدره الانتقائية، لأن لوغاريتماتها ستجد العبارة صحيحة لغوياً.
أيضاً مؤسسات حرية التعبير والرأي، كرابطة حرية التعبير، ومؤسسة «إينديكس أون سنسورشيب» (دليل الرقابة)، وجمعيات الكتاب والمؤلفين، أرسلت أكثر من مائتي شكوى واحتجاج، بجانب المؤسسات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي (كتبادل الاتهامات والتراشق بالتغريدات بين مكتب ستارمر وإيلون ماسك عبر منصته «إكس»).
زعيم حزب «الإصلاح»، نايجل فاراج، اتهم ستارمر بمحاولة منعه (كنائب عن دائرة كانت حكراً على المحافظين) من طرح أسئلة لا تعجبه، وأنه «أكبر تهديد لحرية الرأي والتعبير في تاريخ البلاد».
المفارقة كانت إغفال فاراج لفصول من التاريخ كوقائع «1685 - 1688» عهد جيمس الثاني (1633 - 1701) وإعلانه حرية العقيدة (1687) بإنهاء سيادة الكنيسة الإنجليكية وحرية ممارسة الأديان الأخرى، وأيضاً تأكيد سيادة البرلمان فوق المؤسسات الأخرى بإصلاحات عُرفت بـ«الثورة المجيدة» في 1688.