جريدة الجرائد

السياحة المفرطة تخنق بعض المدن

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالرحمن الحبيب

«نحن نعيش على السياحة ولكن السياحة لا تسمح لنا بالعيش»؛ هذا ما كُتب في لافتة رفعها متظاهرون في جزيرة مايوركا الإسبانية..

القصد أن للسياحة منافع اقتصادية واضحة لكن زيادتها المفرطة تعمل على زيادة الأسعار خاصة العقارات لدرجة أصبحت ظروف المعيشة صعبة مما أدت إلى رحيل بعض السكان، فالسياحة في كافة أرجاء العالم تتزايد سنة تلو الأخرى، رغم أن السائحين يقدمون فوائد اقتصادية واضحة للمدينة المضيفة باتفاق الأغلبية، لكن كما يقول المثل «إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده».

على سبيل المثال في جزر الكناري يساهم القطاع السياحي وخدماته بنحو 35 % من الناتج المحلي الإجمالي ويؤمّن 40 % من الوظائف، لكن معضلة تكاليف الإقامة باتت ترهق أيضًا السكان المحليين (بي بي سي)..

بل إن السياحة المفرطة أدت إلى نزوح السكان من المدينة، فمثلاً مدينة البندقية (فينيسيا)، الإيطالية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي انحسر عدد سكانها من 150 ألف شخص في سبعينيات القرن الماضي وصار إجمالي من يقيمون اليوم فعلياً في البندقية أقل من 50 ألف شخص.. وصار هناك حالياً مدن تنفذ تدابير ترمي إلى خفض السياحة الزائدة.

فما هي، إذن، الإجراءات المناسبة للتحكم بعدد السائحين؟ قبل ذلك، ما هي أهم تأثيرات السياحة؟ تؤثر السياحة المفرطة على الوجهات السياحية بطرق إيجابية وسلبية، وتشمل الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والنفسية. فمن أهم الإيجابيات الاقتصادية تأتي زيادة الإيرادات، ونمو الدخل الفردي، وخلق فرص عمل إضافية..

ومن الإيجابيات الاجتماعية والثقافية حصول التفاعلات بين الأشخاص ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة، والمواقف والسلوكيات..

كما يمكن أن يكون للسياحة أيضًا آثار سياسية كبيرة من خلال التأثير على السياسات الحكومية وتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدان.

وفي نفس الوقت هناك آثار ضارة من السياحة المفرطة - كما أشير في المقدمة - من ناحية ارتفاع الأسعار، إضافة لمضايقة السكان من خلال الازدحام وتعكير صفو المواطنين المحليين الذي يقولون إنه أصبح يصعب عليهم العيش في أماكنهم مع الضغوطات الأخرى.. كما أن هناك أضراراً بيئية مثل التلوث خاصة مع المشاكل التي يسببها السفر الجوي، وتدمير الحياة البرية وزيادة حصاد الموارد الطبيعية لتوفير الغذاء؛ والضغط على البنية التحتية المحلية وأنظمة المياه والقمامة وغيرها؛ إذ يشير كريس إلكينغتون، وهو مدير تحرير صحيفة في جزر الكناري، إلى الاحتياج الفائق من قبل الأماكن السياحية، التي تضم عدداً كبيراً من المرافق الفندقية وحمامات السباحة بمبانيها، وكميات من المياه تفوق بستة أضعاف ما يتم استهلاكه في المناطق العمرانية، ويقول: «إنهم يتوسعون في تشييد الفنادق وتشريع الأبواب أمام السياح..

لكن لسوء الحظ فإن الموارد المتاحة لا يمكنها فعليًا تلبية التوقعات».

كيف يمكن الحد من هذه الأضرار؟ ربما يفضل السكان عدداً أقل من الزوار ذوي الإنفاق المرتفع، لتقليل الاضطرابات وتعظيم العائدات، فمثلاً ينفق الفرد من زوار أمستردام أربعة أمثال ما أنفقه زوار ميلانو، فقد سعى المسؤولون في امستردام في السنوات الأخيرة إلى وقف تدفق السياح من خلال الحد من المعروض من أماكن الإقامة الفندقية، وحظر السفن السياحية، ورفع الضرائب على الفنادق، ورغم ذلك - كما تقول الإيكونيميست - يبدو أن إغراء بعض الطرق المائية والقنوات الجميلة في المدينة وجودة الجبنة، من بين إغراءات أخرى، أكبر من أن يتغلب عليه أحد.

ومع ذلك، فقد تعثرت بعض الأماكن على حالة أفضل: حيث تحقق عائدات كبيرة دون ازدحام. فالزوار إلى أوساكا، ثاني أكبر مدينة في اليابان، ينفقون 4900 دولار لكل مواطن محلي؛ والزوار إلى مدريد ينفقون 4300 دولار.

ولا تشهد أي من المدينتين ازدحاماً كبيراً، حيث يستقبل كل مقيم أربعة زوار في أوساكا وزائرين في مدريد سنوياً لكل مقيم؛ مما قد يبدو جذاباً للغاية لسكان أمستردام.

حتى في حالة تقليل عدد السياح كثير يبدو أنه لا يزال يُنظر إليه على أنه كثير على بعض سكان المدن.. إذ تدرس السلطات في أوساكا فرض رسوم دخول على السياح الأجانب من أجل مكافحة «السياحة المفرطة؛ فيما بدأت كتابات على الجدران المناهضة للسياحة تظهر في مختلف أنحاء العاصمة الإسبانية (الإيكونيميست).

في مدينة البندقية اعتادت المعلمة مارتا سوتوريفا استقلال قاربٍ صغير واعتراض سفن الرحلات البحرية الضخمة المحملة بآلاف المسافرين التي اعتادت بانتظام مواصلة الإبحار عبر القنوات المائية التي تشتهر بها المدينة العائمة..

ولم تذهب جهود مارتا وغيرها هباء، إذ صارت تلك السفن تحط رحالها عند الميناء الصناعي بالمدينة ولا تتجاوزه.. تقول مارتا: «أعرف الكثير من الأشخاص الذين حتى لو كان لديهم المال الكافي، ولديهم دخل منتظم، مازال لا يمكنهم العثور على منزل..

لقد وصلنا لتلك المرحلة التي نجد فيها أن عدد الوحدات السكنية المتوفرة للزائرين يفوق بكثير ما هو عليه للسكان المحليين».

كيف يمكن أن تبدو سوق السياحة المثالية؟ يبدو أنه لا توجد إجابة سهلة حول التوازن بين منافع السياحة ومضار زيادتها على الحد المعقول.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف