بريطانيا: الحرب الأهلية في عيون ماسك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هل عاشت بريطانيا في أغسطس (آب) حرباً أهلية؟ صاحب منصة «إكس»، إيلون ماسك، أكَّدَ ذلك، وكذلك الوقائع على الأرض. جماهير من لون واحد، نساء وأطفال ورجال وكبار السن، نزلوا يصرخون ويشتمون، ويقذفون بيوتَ مسلمين وأجناس أخرى بالحجارة، ويهدمون سياجاتِ المنازل، ثم يستخدمونها لمهاجمةِ المساجدِ والشرطة. بعضُ هؤلاء كتب على صفحات التواصل الاجتماعي: «احرقوا المهاجرين»، وبعضهم تجمَّع وأضرمَ النارَ في فندق بسيط أوى إليه مهاجرون تعساء؛ كل هذا والشرطة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن المحتجين الغاضبين ازداد عددهم، وتوسَّعت الاحتجاجات إلى مدن شمال بريطانيا ووصلت لآيرلندا الشمالية! هذا المشهد له صورتان: مزيفة تؤكد الحرب الأهلية، وحقيقية تثبت أن المحتجين هم نسبة ضئيلة من السكان، لديها تصور أن المسلمين، وبعض الأجناس الأخرى، وحتى من ليس أصله إنجليزياً ولو كان أبيضَ البشرة، يخطفون البلادَ، وسيصبحون مع الزمنِ الأسياد، ويتحول البيضُ أقليةً مستضعفة؛ ولكيلا يصبحوا كذلك فإنَّ الحل: إغلاق الحدود، والاندماج القسري، وحتى الترحيل بحوافز.
لكن السؤال: لماذا هذا الانفجار الآن؟! وهل هو مستجد في بريطانيا؟ وما هي الحلول؟ لا شك أن بريطانيا شهدت دائماً حوادث مشابهة، ولعل احتجاجات أغسطس كانت الأقل خطورة؛ لأنه في الستينات على سبيل المثال كان العداء العنصري قوياً لدرجة أن الملونين كانوا يخافون أن يسيروا في الشارع، وكانوا ضعفاء اقتصادياً وسياسياً. الآن هم قوة اقتصادية، وممثلون في السلطة والقضاء، وليسوا مهاجرين بل أبناء البلد، يحملون حضارتها، وثقافتها؛ كمثال مساعد المدعي العام نزار أفضال الذي عانى العنصرية وهو تلميذ في المدرسة، وتعرَّض للضرب، أصبح مدعياً عاماً يصدر اتهامات على العنصريين أو الإرهابيين، ومثله وزراء ونواب ورجال أعمال. ما هو مستجد أن العنصريين لم يعودوا يركزون على اللون فقط بل على الدين أيضاً، وتجلَّى بسبّ الله في المظاهرات. فالتهجم على الدين أصبح موضةً عند العنصريين وظاهرةً خفية عند نخب محافظة وليبرالية. وبمراجعة بسيطة لتصريحات مسؤولين بريطانيين نرى وزيرة الداخلية سويلا برافرمان تصرح بأنَّ البلاد تتعرَّض لطوفان من المهاجرين، وأن الإسلاميين يسيطرون على البلاد، ونرى نائباً انتقل لحزب الإصلاح يقول إن عمدة لندن المسلم يتحكم فيه الإسلاميون، ونسمع تهكماً من رئيس الوزراء الأسبق جونسون بأنَّ المرأة المنقبة شكلها مثل صناديق البريد في الشوارع، ولصوص البنوك. وكثير من التصريحات التي دفعت مديرة حزب المحافظين والوزيرة السابقة الباكستانية الأصل سعيدة وارسي لتقول إن التنكيت على المسلمين أصبح مقبولاً في المجالس؛ ولعلَّ ما شهدته البلاد بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والهجمات الإرهابية، كان له كبير الأثر على ترسيخ صورة ذهنية أسطورية بأنَّ المسلمين خطر مستجد على ثقافة البلاد. ولعلَّ أحداث غزة وما رافقها من ظهور إسلامي بارز عزَّزت تلك المخاوف المنسية في عمق التاريخ. لهذا لم ينتظر المحتجون الحقائق، بل صدقوا فوراً بأن حادثة مقتل البنات الثلاث قام بها مسلم جاء بقارب لبريطانيا، وأنَّ المخابرات كانت على علم به، وعندما كشفت الشرطة أنَّه بريطاني، ومن أصل أفريقي ولا علاقة للإسلام به، لم يتوقفوا عن ضرب المساجد ولا مهاجمة المحجبات، بل كذَّبوا الشرطة واتهموها، على لسان زعيم حزب الإصلاح، بأنَّها لم تُظهر الحقيقة؛ وذلك لأنَّ الكذبة تتناسب مع قناعاتهم وأسطرتهم للمسلم.
يبقى السؤال: ما هو الحل؟
أولاً: على النخب الليبرالية والمحافظة بالذات وقف حربها الثقافية المستترة، التي تصيب حرابُها الغرباءَ والمسلمين بالذات، وسن قانون معجل بتجريم فوبيا الإسلام، لحرمان العنصريين الظاهرين والمتخفين من الأكسجين، الذين يبثون سمومَهم يومياً في صحف وتلفزة ومقابلات. ثانياً: أن يفهم المسلمون أنَّهم أقلية، ولا يمكنهم فرض أجندتهم، وبالتالي مسارعتهم للاندماج قلباً وجسداً؛ فلا يمكن أن يعيشوا بجسدهم هنا وقلبهم هناك، فقضيتهم رفعة بريطانيا. هذا السلوك سيعزز التعددية لأنَّ الأغلبية البريطانية ليست عنصرية، ولعلَّ المظاهرات التي خرجت بعنوان «حب لا كراهية» وبالآلاف، ثم المتطوعين الذين نظفوا الشوارع، وواجهوا العنصريين، ثم ما قاله رئيس الكنيسة البريطانية جاستن ويلبي في مقالة متميزة بأن الاحتجاجات «عنصرية وتستهدف الأقليات العرقية والمسلمين واللاجئين، وأنَّ الشعارات المسيحية التي رفعها اليمين المتطرف هي إهانة لمعتقدنا المسيحي»، جميعها دليل ساطع على نجاح التعددية. ثالثاً: على الحكومة أن تعيد النظر في قانون وسائط التواصل الاجتماعي وتشديده؛ لأنها تحولت لمنصات تنشر الكراهية، وأداة لليمين المتطرف والإرهابيين لتفتيت المجتمع. رابعاً: لا بد من اهتمام الساسة بالاقتصاد، وتحسين أوضاع البلاد المتدهورة، وليس تغطية عجزهم بلوم قوارب الهجرة أو الخروج من الاتحاد الأوروبي؛ فالذين لا يجدون عملاً عليهم لوم الساسة وليس جيرانهم، فالفقر لا يميز بين لون وآخر، وقضية الفقراء واحدة، وعليهم أن يناضلوا سوياً لا أن يتقاتلوا، وإلا فإنَّ نبوءة ماسك المخيفة ستتحقق على أيديهم.