جريدة الجرائد

هل تفضي برامج المترشحين للرئاسيات إلى بناء "طور الحداثة" في الجزائر؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أزراج عمر

هل ستفتح برامج المترشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية الجزائرية التي سوف تُجرى في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل أفقاً جديداً للشعب الجزائري؟ وماذا يميّز برامج كلّ من الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون، ويوسف أوشيش الأمين العام لـ"حزب القوى الاشتراكية"، وحساني شريف عبد العالي رئيس حزب "حركة مجتمع السلم"؟

بدايةً، يلاحظ المراقب الإعلامي لسير هذه الحملات الانتخابية منذ انطلاقها، والتي ينشطها حالياً المترشحون الثلاثة أو المكلّفون بالإشراف عليها، أنها تخلو حتى الآن من المناظرات الحادة بين المترشحين، ومن لغة التراشق بالنقد المؤسس على المعلومات الدقيقة والحجج الدامغة، وجراء ذلك فإنها تتميّز في تقدير المحللين السياسيين بخاصيّة الحياديّة ضمن فضاء "منطقة رمادية"، وذلك خلافاً لما تعوّد عليه الناس في أثناء الحملات الانتخابية التي تجري عادة بمشاركة المتنافسين، في ظل التعدديّة السياسية التي يكثر فيها ضجيج الخصومات بين المترشحين المعارضين خصوصاً.

ويُلاحظ أيضاً، أن وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والتابعة للقطاع الخاص تخلو بدورها من المناقشات الخلافية الساخنة التي تسلّط أضواء التحليل النقدي على مضامين وأساليب تطبيق برامج هؤلاء المترشحين الثلاثة. ويرجع المراقبون السياسيون هذا النوع من "التبريد الإعلامي" إلى خوف المنابر الإعلامية من أي انزلاق سياسي محتمل، وإلى التغيّر العميق في المزاج العام للجزائريين تجاه طقوس الانتخابات، مهما كان نوعها، لكون التجربة قد علمتهم، على مدى سنوات طويلة، أن آمالهم لا تحققها صناديق الاقتراع. وزيادة على هذا التغيّر، هناك عوامل أخرى وفي مقدّمتها أن أغلب ما يُدعى بأحزاب المعارضة قد اختارت قياداتها عدم الترشح لهذه الانتخابات لأسباب مختلفة، منها أنها تعلم مسبقاً أنها لن تُنتخب بالإجماع جراء فقدان المواطنين الثقة في المعارضة التي تظهر فقط في مواسم الانتخابات، وتندفع إلى الميادين عندما يخرج جزء من الشعب الجزائري في تظاهرات احتجاجية، ثم سرعان ما تُحبط مثلما حدث، مثلاً، في أثناء الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 شباط (فبراير) 2019 في معظم المدن الجزائرية، للمطالبة بإلغاء ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، ومن ثم بإسقاط رموز نظام العصابة.

أما الشخصيات القليلة التي ترشّحت، مثل زبيدة عسول وسعيدة نغزة وبالقاسم ساحلي، فقد أحيطت بعدة نقاط استفهام كبيرة، جراء ماضي بعضهم وولاءاته من جهة، ولكونها من جهة أخرى لم تتمكن، بحسب تصريحات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، من جمع العدد المطلوب من أصوات الناخبين على مستوى القاعدة الشعبية أو من طرف أعضاء المجالس المنتخبة، الأمر الذي أدّى إلى إقصائهم بقوة قوانين الدولة الجزائرية، رغم تقديم بعضهم طعوناً لدى المجلس الدستوري.

وفي الحقيقة، أغلب الذين ترشّحوا لخوض هذه الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الأسبوع الأول من أيلول، لا يتمتعون بالشعبية والسمعة الجيدة على مستوى الجزائر العميقة، أو لدى نخب المجتمع المدني وتنظيماته وجمعياته المختلفة. وأكثر من ذلك، بعض هؤلاء يُصنّف ضمن بقايا النظام السابق الذي يُتّهم بإدخال البلاد في مختلف الأزمات الاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية، فضلاً عن تورطه في ممارسة ونشر الفساد المالي والسياسي معاً.

في هذا السياق، يتساءل المرء: هل تتضمن برامج المترشحين المذكورين آنفاً بدائل للوضع السلبي الموروث عن المراحل السابقة؟ في هذا الخصوص، تفيد قراءة برنامج الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي هو ملخّص لتصريحاته التي جاءت في عدد من الخطب والكلمات التي وجّهها إلى المواطنين، أو أبرزها أثناء لقاءاته مع ممثلي الصحافة الوطنية، أن المحاور الأساسية لبرنامجه تتمثل في استكمال الوعود التي وعد بها خلال حملته الانتخابية السابقة التي أوصلته إلى سدّة الرئاسة في عام 2019، وكذا العمل من أجل المحافظة على الاستقرار السياسي وطنياً وإقليمياً ودولياً، وتخصيص المنح المالية الثابتة لشريحة البطالين، وحماية أصحاب الدخل الضعيف من تقلّبات السوق وغلاء الأسعار بواسطة رفع منح التقاعد ورواتب الموظفين الصغار بشكل خاص تدريجياً، وذلك بقصد خلق التوازن بين الدخل الفردي ومتطلّبات الاستهلاك. كما يتضمن برنامج المترشح تبون التزام دعم الفلاحة وخصوصاً في الجنوب الجزائري، وبحلّ مشكلات توظيف المعلمين والأساتذة في مختلف أطوار المنظومة التعليمية، والضغط على فرنسا لإيجاد حلول حقيقية لـ"ملف الذاكرة" بما يضمن التخلص من الإرث الكولونيالي، فضلاً عن تضمن برنامج الرئيس تبون مواصلة محاسبة المتورطين في الفساد المالي، واسترجاع ما تبقّى من الأموال المنهوبة، علماً أنه سبق أن أعلن عن استعادة ما يساوي مبلغ 50 مليار دولار في صورة نقود أو عقارات أو ممتلكات أخرى.

أما برنامج المترشح يوسف أوشيش، الأمين العام لـ"حزب القوى الاشتراكية" (الأفافاس)، فقد ركّز أكثر على "تعزيز الديموقراطيّة والحرّيات" والتعهّد "بتخصيص منحة قدرها 20 ألف دينار جزائري للطلاب، ومنحة البطالة قدرها 20 ألف دينار جزائري، وزيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 40 ألف دينار جزائري"، لكن أوشيش لم يحدّد الآليات التي بمقتضاها يقضي على بطالة مليوني عاطل من العمل، كما أنه لم يقل لنا من أين سيأتي بهذه المبالغ الضخمة التي سيستفيد منها أكثر من 3 ملايين طالب جامعي وعاطل من العمل، وما هو الهدف العلمي والأكاديمي من وراء إنشاء منحة للطلاب بهذا المبلغ الذي يساوي الأجر التقاعدي الحالي للعامل الجزائري تقريباً.

يرى العارفون بتكتيكات الانتخابات، أن المترشّح يوسف أوشيش يرمي من وراء هذه الوعود البراغماتيّة ذات الطابع المالي البحت، إلى التأثير النفسي على شرائح العمال والطلاب والبطالين، للفوز بأصواتهم التي تقدر أن تُحدث المفاجأة الحاسمة أثناء الانتخابات الرئاسية.

ويبدو لمن يفحص برنامج المترشح حساني شريف عبد العالي، رئيس حزب "حركة مجتمع السلم" الإسلامي، أنه عبارة عن وعود في صورة عموميات بحاجة إلى تحديد، مثل حصر المشكلات الأساسية التي يعاني منها المواطنون، سواء كانت اجتماعية أم ثقافية أم مالية أو ذات صلة بالتكوين الثقافي والمهني مع تقديم تفاصيل الحلول الواقعيّة لها، بدلاً من سيل الوعود التي كرّرها في أكثر من مكان مثل "تشجيع الشباب على الاستثمار في قطاع الفلاحة وإنشاء مؤسساتها"، والسعي "إلى بناء اقتصاد متنوّع وقوي عبر استغلال الثروات الكبيرة التي تزخر بها مختلف ولايات الوطن"، فضلاً عن "محاربة الفساد والبيروقراطيّة وتحقيق استغلال أمثل للثروات الكبيرة التي تزخر بها بلادنا، مع إشراك الجيل الجديد في تسيير شؤون البلاد".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف