هرباً من "الكماشة" الإثيوبية - الإسرائيلية... مصر تذهب إلى الصومال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد حسين أبو الحسن
وقعت مصر والصومال في القاهرة بروتوكول تعاون عسكري بحضور رئيسي البلدين، في ظل خلاف بين مقديشو وأديس أبابا، بعدما وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم "أرض الصومال" المطلة على خليج عدن - أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991- لاستئجار منفذ بحري وقاعدة عسكرية. الصومال ندّد بتوقيع المذكرة، وقال الرئيس حسن شيخ محمود إنها "انتهاك غير مشروع" من جانب إثيوبيا لسيادة بلاده، مؤكداً أنه "لن يمكن لأحد أن ينتزع شبراً من الصومال". إنه الدخان الكثيف يطوق "القرن الإفريقي"، وقد يتكشف عن "جمر متقد" تحت الرماد! ليس مقبولاًالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد خلال استقباله نظيره الصومالي شيخ محمود، في كانون الثاني (يناير) الماضي، أن القاهرة لن تسمح بأي تهديد للصومال؛ معتبراً اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال "ليس مقبولاً لأحد"، مبيناً أن التعاون والتنمية بين الدول أفضل من أي شيء آخر، وخاطب الإثيوبيين: "حتى تحصل على تسهيلات من الأشقاء في الصومال وجيبوتي وإريتريا يكون بالطرق التقليدية، الاستفادة من الموانئ أمر لا يرفضه أحد، لكن محاولة القفز على أرض ما؛ لمحاولة السيطرة عليها (مثل الاتفاق مع أرض الصومال)، لن يوافق أحد عليه". ثم وجه السيسي حديثه لشيخ محمود: "اطمئن، وبفضل الله نحن معكم، ونقول للدنيا كلها نتعاون ونتحاور بعيداً عن أي تهديد أو المساس بالأمن والاستقرار". وطالب بـ"إعلاء قيم ومبادئ التعاون والعمل المشترك؛ من أجل مصالح شعوب المنطقة، والامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدة التوتر". وأعرب الرئيس الصومالي عن تقديره دعم مصر المتواصل لبلاده في جميع المجالات، مشدداً على حرص الصومال على مزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية معها، خلال الفترة المقبلة، وتكثيف التشاور والتنسيق؛ لإرساء الأمن والاستقرار بالقرن الأفريقي.أعاد السيسي تأكيد الموقف نفسه، في حضور نظيره الصومالي بالقاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، مشدداً على دعم وحدة أراضي الصومال وسيادتها وأمنها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وأشار إلى خطوات اتخذتها القاهرة لتعميق العلاقات التاريخية مع مقديشو، لمساعدتها على مواجهة التحديات في عالم عدواني مضطرب، مثل افتتاح المقر الجديد للسفارة المصرية بالعاصمة الصومالية، وإطلاق خط طيران مباشر بين الدولتين، وتزويد مقديشو بمساعدات تعليمية وصحية وثقافية مصرية، أما الأهم فهو توقيع بروتوكول التعاون العسكري المشترك. دفاع مشتركصرّح السفير الصومالي بالقاهرة علي عبدي أواري بأن بروتوكول التعاون يأتي في توقيت شديد الحساسية، وفي ظل تحديات إقليمية ودولية غير مسبوقة، تتطلب تعزيز التعاون مع مصر، مثمناً دورها المحوري في مساندة الصومال. وافق مجلس الوزراء الصومالي، في 20 تموز (يوليو) الماضي، على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر، عقب توقيع آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي مع موسى بيهي عبدي رئيس "أرض الصومال"، مذكرة تفاهم تفتح الطريق للسيطرة الإثيوبية على 20 كم من الساحل الصومالي، مقابل الاعتراف باستقلال "أرض الصومال".
سبق توقيع بروتوكول التعاون العسكري بين مصر والصومال، توقيع اتفاق دفاعي مماثل مع تركيا، شباط (فبراير) الماضي، يتضمن دعم الأصول البحرية للصومال، وردع جهود إثيوبيا الساعية للوصول إلى البحر عن طريق أرض الصومال، برغم أن تركيا تلعب حالياً دور الوسيط بين مقديشو وأديس أبابا، لحل الخلاف بينهما. يذهب خبراء شؤون القرن الإفريقي إلى أن القاهرة تهدف لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الصومال بشكل خاص ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام؛ لمواجهة ما تعتبره تهديدات إثيوبية لمصالحها وأمنها القومي، سواء قرب باب المندب الذي يعد مدخل البحر الأحمر وقناة السويس أو بسبب عدم الاتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد حصة مصر والسودان من مياه النيل، في حين استبعدوا أن يتعارض الاتفاق المصري - الصومالي، مع الاتفاق التركي - الصومالي. التوترات من هذا النوع قديمة في القرن الإفريقي، إرث استعماري؛ فقد تعرضت المنطقة لموجات احتلال أوروبي من جانب إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، خلال القرن الماضي، أدت إلى تمزيق أوصال دولها. الصومال مثال ساطع في هذا السياق؛ بالنظر لأهمية موقع القرن الإفريقي والممرات المائية التي تعد أهم الممرات البحرية على الصعيد الإقليمي والدولي. البحر... والنهرالقرن الإفريقي ممر رئيسي لحركة التجارة الدولية، وخصوصاً عبر مضيق باب المندب. حلقة الربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وطريق التجارة النفطية بين مناطق الاستخراج والاستهلاك، يعبر 40% من تجارة النفط العالمية من المضيق. هذه الممرات البحرية من أهم معاملات القوة لدورها الاستراتيجي والأمني في حفظ أمن النظام الدولي، من ثمّ تشكل منطقة القرن الإفريقي أحد أهم عوامل التوازن والاستقرار الإقليمي والعالمي، لما لها من أهمية جغرافية واستراتيجية وعسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة، بحكم إطلالتها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما يجعلها مطمعاً لقوى إقليمية ودولية، كما أنها تعد بوابة إلى قلب القارة السمراء، بالإضافة إلى ما تتمتع به المنطقة نفسها من المواد الخام والموارد البشرية وغيرها، من المقومات الاقتصادية، كما تشرف بإطلالة واسعة على الخليج العربي ذي الأهمية الاستراتيجية الفائقة الغنية بالنفط. هذه الأهمية الاستثنائية تجعل من القرن الإفريقي "صمام أمان" أو "مصدر التهديد" لما حولها، أدركت إسرائيل ذلك؛ فحرصت على نسج شراكات مع الدول غير العربية المشاطئة للبحر الأحمر، مثل إثيوبيا وإريتريا، حتى لا يصبح هذا البحر بحيرة عربية يمكن خنقها عن طريق غلق الممرات المائية في أي صراع. يكشف هذا بوضوح عن أسباب مخاوف القاهرة المتزايدة من وقوعها بين طرفي "كماشة"، إسرائيلية - إثيوبية تحيط بمصالحها في النهر والبحر، ما يعد تهديداً وجودياً خطيراً، وقد ألمح الرئيس المصري إلى اعتزام بلاده إرسال "قوات حفظ سلام" إلى الصومال، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. كما أن تفعيل البروتوكول العسكري أو اتفاقية الدفاع المشترك، مع الصومال قد يضع قدماً مصرية ثقيلة في مدخل البحر الأحمر بجوار إثيوبيا، وعلى مقربة من سد النهضة، لتبدأ جولة جديدة من "المحاورة الشطرنجية" بين القاهرة وأديس أبابا على الساحل الصومالي.