تونس بين أميركا والصين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد نظيف
في قرارٍ لافتٍ، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن موافقتها على صفقة عسكرية محتملة للجيش التونسي، تتضمن قوارب عسكرية وعناصر ذات صلة بالدعم اللوجستي ودعم البرامج بتكلفة تقدّر بنحو 110 ملايين دولار. وطلبت الحكومة التونسية شراء قوارب إضافية ومواد وخدمات، تتكون من أنظمة تحديد المواقع العالمية البحرية التجارية، وأنظمة الملاحة، ومعدات الاتصالات، والتدريب، وعناصر أخرى ذات صلة بالدعم اللوجستي.
وبحسب وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية، فإن هذه الصفقة ستدعم "السياسة الخارجية الأميركية وأهداف الأمن القومي، من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، يواصل لعب دور مهمّ في الأمن الإقليمي وعمليات حفظ السلام في جميع أنحاء أفريقيا (...)، ومن شأنها أن تزود تونس بمعدات أفضل للمساهمة في تحقيق الأهداف الأمنية المشتركة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وبناء التوافق التشغيلي مع الولايات المتحدة والشركاء الغربيين. كما لن تغيّر التوازن العسكري الأساسي في المنطقة".
وقد تزامن الإعلان عن الصفقة مع لقاء السفير الأميركي في تونس مع وزير الداخلية خالد النوري. وبحسب بيانٍ للسفارة، تطرّق الجانبان إلى "استكمال كلية الشرطة في مدينة النفيضة، والتي ساهمت الحكومتان في إنشائها بمبلغ يناهز 20 مليون دولار". وقبل ذلك بأسابيعٍ، شارك السفير جوي هود مع كبار القادة العسكريين من الولايات المتحدة وتونس وعدد من الدول الأفريقية الأخرى، في اختتام فعاليات التمرين العسكري المشترك "الأسد الأفريقي"، الذي جرى في تونس. وقد تضمن المناورات التكتيكية والأمن السيبراني.
تكشف هذه التحركات الأميركية أساساً السياسة الأميركية في تونس، لصدّ نزوع سياسات الرئيس قيس سعيد نحو الشرق، وتحديداً روسيا والصين. في نهاية أيار (مايو) الماضي، وقّعت تونس اتفاق شراكة استراتيجية مع الصين، في خلال زيارة دولة قام بها الرئيس سعيّد، تعدّ الأولى من نوعها لرئيس تونسي إلى بكين منذ أكثر من ثلاثة عقود. وتأتي هذه الشراكة مع الصين في وقت تمرّ علاقات تونس مع شركائها التقليديين في الكتلة الغربية في فتور ظاهر، بسبب الموقف الغربي المتحفّظ، وخصوصاً الأميركي، من المسار السياسي الذي سلكه الرئيس سعيّد منذ 25 تموز (يوليو) 2021، وكذلك بسبب توقُّف مسار التفاوض بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي، بشأن قروض لسدّ عجز الموازنة في مقابل حزمة إصلاحات اقتصادية رفضها الرئيس التونسي.
في المقابل، عبّرت الصين بوضوحٍ عن دعم مسار الرئيس التونسي، كما يشير البيان المشترك: "تدعَم الصين بقوة الإجراءات التي اتخذتها تونس للإصلاح والحفاظ على سيادتها منذ عام 2021، وجهود التونسيين لحماية السيادة الوطنية والحق في تقرير المصير، وتعارض بشدّة أي قوى خارجية تتدخّل في الشؤون الداخلية لتونس". كما شهدت تونس خلال الشهور الماضية حراكاً دبلوماسياً روسياً - صينياً، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وزيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، يرافقه وزير الخارجية والتجارة، ونائب رئيس الوكالة الصينية للتعاون الدولي. كما تضاعفت التجارة الثنائية بين موسكو وتونس ثلاث مرات خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، إلى 1,5 مليار دولار.
ووفقاً لاستراتيجية الأمن القومي الأميركية الصادرة في عام 2022، فإن النفوذ الصيني في تونس يُعتبر تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية، وبالتالي تعمل واشنطن بقوة لصدّه من خلال التركيز على السياسات الأمنية والعسكرية. وتعمل الإستراتيجية الصينية على استغلال الأزمة الاقتصادية التي تمرّ فيها تونس لتحقيق مواقع نفوذ من خلال مشاريع البنية التحتية والمساعدات المالية، وخصوصاً من خلال سياسة عدم التدخّل في الشأن السياسي المحلي. في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى تركيز عملها في قطاعي الجيش والأمن، من خلال المساعدات والتسليح والتدريب والدعم اللوجستي، لأنها تدرك أن القوة التي يتمتع بها نظام الرئيس قيس سعيّد تكمن في مؤسستي الجيش والأمن، في ظل عجز جهاز الدولة المدني عن تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين أوضاع السكان. وبالتالي، تستثمر واشنطن في نقاط قوة الرئيس للحفاظ على نفوذها في البلاد.
لكن المعضلة التي تواجه سياسات الولايات المتحدة في تونس، والسياسات الغربية عموماً في المنطقة المغاربية، هي المراهنة دائماً على أجهزة القوة، من دون المساعدة الفعلية على مستوى سياسات التنمية، فضلاً عن سجلها السلبي في العلاقة بالقضايا العربية، ما يجعل سمعتها سيئةً على المستوى الشعبي. في المقابل، تتمتع بكين بمستويات عالية نسبياً من الدعم في المنطقة.
ويكشف استطلاع للرأي أجراه الباروميتر العربي في عام 2020 بشأن تصور المواطنين العاديين للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن نفوذ الصين في المغرب العربي يُنظر إليه على أنه مفيد بشكل عام، حيث قال أكثر من 60% من التونسيين إنهم يفضّلون علاقات اقتصادية أقوى مع الصين مقارنةً مع أميركا. ولعلّ الجانب الأكثر نجاحاً في القوة الناعمة التي تتمتع بها الصين في المغرب العربي والجنوب العالمي على نطاق أوسع، هو ما يسمّى "نموذج بكين"، الذي يعد بالتنمية الاقتصادية السريعة من دون الحاجة إلى الديموقراطية، لجهة ما أصبحت تمثل كل قيم الليبرالية من انحياز مزدوج المعايير، لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا، بات أكثر شدّةً ووضوحاً بعد الحرب على غزة.