جريدة الجرائد

القِيَمُ في وادٍ والمصالح في وادٍ آخر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

اختتم الحزب الجمهوري الأمريكي الخميس الماضي مؤتمره الذي صادق بصفة رسمية على ترشيح نائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي الرئاسي ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي كان طريقه سالكاً قبل تخلّي الرئيس جو بايدن لصالح هاريس.

ومعلوم أن محاور اهتمام الأمريكيين تتركز أساساً على الجوانب الاقتصادية والداخلية عموماً، وهو ما يفسر أن المسائل المطروحة خلال الحملة الانتخابية هي عموماً مرتبطة بهذا الاهتمام المجتمعي، وكثيراً ما حسمت هذه الاهتمامات أمر الانتخابات لصالح هذا المترشح أو ذاك.

وتحتل لذلك السياسة الخارجية مكانة أقل في هذه الانتخابات نظراً لكون أهدافها الاستراتيجية هي محل توافق تاريخي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وإنْ وجدت بعض التباينات في الممارسات والتكتيكات الموصلة إلى تحقيق هذه الأهداف.

ويمكن المجازفة بالقول إن ترتيبات السياسة الخارجية الأمريكية اكتسبت مع الوقت الطابع المؤسساتي الذي لم يهتز مطلقاً طوال تاريخ الولايات المتحدة إلا بدخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي، والذي بدا أن سلوكياته السياسية تكتسي طابعاً فردياً قد يتجاوز التقاليد والأعراف والقيم الديمقراطية التي حكمت السياسة الأمريكية عموماً طوال حقب.

ويذهب اعتقاد عديد الملاحظين إلى أن أسلوب ترامب في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية هو الذي يفسر التباينات العميقة حول التعاطي مع بعض القضايا الدولية، على غرار الحرب الروسية الأوكرانية والعلاقات مع الأنظمة التي تتعارض مع التنظيم الليبرالي الغربي للحُكْمِ.

ولعل الاستثناء الوحيد الذي يوحد الجمهوريين والديمقراطيين في سياق التعامل مع القضية الفلسطينية وما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، هو أمن إسرائيل، وذلك لارتباط موقفيهما بوجود الدولة العبرية، وسواء تعلق الأمر بالجمهوريين أو بالديمقراطيين، فإن ثبات الموقف لا لُبْسَ فيه، دعم ثابت وغير قابل للمراجعة للدولة العبرية واستعداد يكاد يكون فطرياً لتقديم المساعدة والعون لإسرائيل عند الاقتضاء، وكلما ساد الاعتقاد بأنها تتعرض للخطر مهما كانت درجاته وحدته، وتحلى هذا الموقف في سياسات كل الرؤساء الذين تداولوا على البيت الأبيض منذ قيام دولة إسرائيل في 1948 في إطار خطة الصهيونية العالمية التي رعتها بريطانيا ودعمتها لاحقاً الولايات المتحدة الأمريكية.

وإن ما صرح به الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر من العام الماضي، إذ أكد دعم أمريكا المتين والذي لا يتزعزع ، منذ اعتراف واشنطن بدولة إسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلانها.

الموقف ذاته تقريباً عبرت عنه المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، في اختتام المؤتمر الديمقراطي، رغم تأكيدها ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لتقديرها وتقدير جل الديمقراطيين بأنّ ذلك يمثل ضمانة أساسية ضد اتساع نطاق الحرب في المنطقة، بما يهدد في العمق المصالح الأمريكية واستقرار وأمن إسرائيل ذاتها.

إن ما تم تقديمه أنه الاستثناء الوحيد في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأمريكي، هو في واقع الأمر مرتبط وثيق الارتباط بموقع إسرائيل في سياسة الأمن القومي الأمريكي بما يكاد يجعل منه مسألة داخلية أمريكية، إذ لا وجود لحدود ولخطوط حمراء في التعاون العلمي والاقتصادي والعسكري بين أمريكا وإسرائيل منذ 1948، وقد تجسد هذا أولاً في الكم الهائل من المعونات والمساعدات العسكرية المباشرة وغير المباشرة على مدى حقب، وثانياً، في درجة التعاون العلمي الذي ساهم في تحسين مكونات أهم المنتجات الأمريكية على المستوى الدولي بما قوى قدرتها على المنافسة، وفي المقابل تستفيد دولة إسرائيل من نتائج الأبحاث العلمية المتطورة دون أي قيود، وثالثاً، في الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي وفرته الولايات المتحدة لإسرائيل على مدى عقود رغم أن التاريخ لم يعرف مطلقاً دولة مثلها تفننت في انتهاك قواعد القانون والشرعية الدولييْن.

ولا نعتقد بأن موقف الديمقراطيين وكل الذين تداولوا على الحُكْمِ في أمريكا أن له علاقة بالمنظومة القيمية والأخلاقية المعلنة قَدْرَ ما هو مرتبط بمصالح الطرفين الحيوية والاستراتيجية، وقد لمسنا على مدى عام كامل من العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية محدودية تأثير الحراك الشبابي والمجتمعي على سلطة القرار في الولايات المتحدة، والقاعدة كانت دوماً، القيم في وادٍ والمصالح التي تبقى الأساس في وادٍ آخر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف