اللاجئون: تحدي السياسات الأوروبية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سجّلت القارة الأوروبية في العشرية الأخيرة أكبر موجة من اللجوء بعد الحرب العالمية الثانية، وتنوعت وتعددت أصول اللاجئين، لكن القسم الأكبر منهم كان من السوريين والأوكرانيين، وقد بدأت موجة هجرة الأولين قبل عشر سنوات، في حين دفعت الحرب الروسية على أوكرانيا الأخيرين في العامين الماضيين للهجرة واللجوء، خصوصاً إلى بلدان غرب أوروبا، وانضم إلى الطرفين لاجئون من الأتراك والكرد والأفغان، وآخرون من بلدان وسط وشمال أفريقيا.
ورغم أنه لا يمكن تجاهل العوامل السياسية في فتح الأبواب الأوروبية لقبول اللاجئين والتساهل في وصولهم، فإن العوامل الاقتصادية والسكانية، تمثل الأسباب الأساسية لاستقبال تلك الموجة، وأبرز تعبيراتها أن القارة الأوروبية تواجه مشكلة سكانية نتيجة قلة المواليد والزيادة في أعداد كبار السن في وقت تواجه فيه بلدان النمو الاقتصادي، مثل ألمانيا وبريطانيا، الحاجة إلى أيدٍ عاملة لتلبية احتياجات قطاعَي الإنتاج والخدمات.
وتسببت موجة اللجوء الواسعة بحالات ارتباك في أغلب البلدان بعضها قانوني وإداري، وآخر عملي إجرائي، وكلها ناتجة عن عدم توفر جاهزية في القوانين والأنظمة الإدارية، بل وإمكانات الاستيعاب، كما في قطاع الإسكان، وجهود استيعاب اللاجئين في الاندماج، فحصلت كثير من الارتباكات والمشاكل المتعلقة باللاجئين في عديد من البلدان الأوروبية، والتي تصاعدت فيها أزمات موازية مرتبطة باللاجئين؛ منها صعود صوت ونفوذ جماعات اليمين، ودخولها بوابة مواجهة عنصرية ضد اللاجئين، مستغلة الأزمات المتصاعدة في مجتمعاتها؛ مثل التضخم، وتدهور مستويات الدخل، وتضييق مساحة التقدمات الاجتماعية، والتي جعلت اللاجئين في مقدمة أسبابها.
ورغم تأثير العوامل المحلية على وجود اللاجئين وعملية إدماجهم في المجتمعات الأوروبية، وفي تصعيد الممارسات والسياسات العنصرية ضدهم، فإن ظروف ومشاكل اللاجئين أضافت عوامل أخرى في سياسة التضييق على اللاجئين، والتي لم تقتصر على بعض الفئات السياسية والاجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية، بل امتدت إلى الأوساط الحكومية، وأوساط اجتماعية وسياسية كانت بين المدافعين عن اللاجئين وضد ممارسة العنصرية ضدهم.
وتتنوع ظروف عيش اللاجئين ومشاكلهم في أوروبا، والأهم فيها يندرج في خطين، يتضمن أولهما نقل أنماط حياة اللاجئين من مجتمعاتهم الأصلية إلى المجتمع الجديد، بالتوازي مع ضعف الاندماج خصوصاً لجهة كبار السن، والتعامل مع بلد الإقامة وكأنه بلد اغتراب، وليس بوصفه بلد عيش واستقرار يمكن أن يستوطن اللاجئون فيه على نحو ما يحصل عادة، خصوصاً وسط غياب مؤشرات وصول القضية السورية إلى حل قريب، يعيد النازحين واللاجئين السوريين إلى بلدهم وممتلكاتهم.
ورغم أهمية هذه المشاكل وتأثيرها السلبي في حياة اللاجئين وعلاقاتهم بالحكومات والمجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه، فإن مشاكل الخط الثاني تبدو أكثر أهمية وتأثيراً، إذ تتضمن سلوكيات، تعتبرها الحكومات الأوروبية في دائرة الخطر، ومنها العمل الأسود خارج القانون، وممارسة التهرب الضريبي، وخرق قانون اللجوء في السفر إلى البلدان التي جاء اللاجئون منها، إضافة لإشاعة سلوكيات تعكس بعض مظاهر التطرف من وجهة نظر الأوروبيين وفي ضوء ما خلفته أعمال إرهابية من نتائج دموية، خلقت رغم قلتها صورة نمطية عن اللاجئين، خصوصاً القادمين منهم من أفغانستان وسوريا.
والخلاصة العامة في الظروف والمشاكل التي تحيط بحياة اللاجئين، أنها جعلت سياسات الدول الأوروبية موضع نقاش وجدل ومناكفة رئيسيين في المستوى السياسي، وتحوّلت إلى عامل مؤثر في سياسة الحكومات وعلاقاتها مع المجتمع من جهة ومع معارضيها من جهة أخرى، وأخذت تتجمع وتتفاعل وتتقارب سياسات الحكومات في إصدار قوانين وأنظمة متشددة تتعلق باللاجئين ومستقبلهم وسط تبني سياسة تتجه إلى عملية ترحيل المرتكبين والمخالفين إلى بلدانهم عقوبةً، أو باعتبار أن مناطق في تلك البلدان آمنة، مما يوسع فكرة ترحيل مزيد من اللاجئين.
ومن الطبيعي، أن التحولات المحيطة باللاجئين أو أوساط منهم، سوف تجعل ظروفهم أصعب، وستجعل الحكومات أقرب إلى القيام بأعمال تتصادم مع شعاراتها المعلنة، ولا تنسجم مع محتويات القانون في التعامل مع اللاجئين، بل ومدانة من قطاعات وازنة في المجتمعات الأوروبية، وهذا بعض ما يفرض على الحكومات تدقيقاً في ملف اللجوء كله، والبحث في محتوياته وأهدافه والأخطاء التي ارتُكبت فيه من جانب الحكومات وأجهزتها، وتعزيز فرص حياة اللاجئين من خلال تطبيعها، وليس من خلال سياسات متشددة ومتناقضة، لا تلحق الضرر باللاجئين، وإنما بالدول الحاضنة أيضاً.