محمص أم محترق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سهوب بغدادي
يفضل بعض الأشخاص الخبز «محمصًا مقرمشًا هشًا».
ولكي نحصل عليه بهذه الطريقة يتوجب علينا تعريضه لدرجات الحرارة المرتفعة، وبقدر محدد، وفي حين ارتفعت درجة حرارة التحميص أو ازدادت مدته سيحترق الخبز، لا أحد بالتأكيد يفضل أكله محترقًا بالكلية، في هذا المقال أقدم لك عزيزي القارئ نظرية «التوست المحروق» Burnt toast theory، التي تعد «مفهومًا معاصرًا يتم تداوله بشكل غير رسمي على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشير إلى الأشياء التي نعتبرها غير مثالية أو فاشلة، إلا أنها قد تكون مفيدة في سياقات أخرى».
إن فكرة احتراق قطعة التوست محبطة في حد ذاتها، إلا أنها قد تشكل فرصة وأمراً إيجابياً، باعتبار أنك ستضطر إلى استبدالها بقطعة جديدة وإعادة تشغيل وضبط آلة التحميص، مما يزيد مدة انتظارك وتأخرك عن عملك احتمالًا، إلا أن في تلك الهنيهات المعدودة العديد من الأمور المتعلقة بالسبب، لذا يربط البعض النظرية بحادثة شهيرة متمثلة في تأخر بعض الركاب على رحلتهم بضع دقائق وشعورهم بالاستياء اللحظي فور إعلامهم بإغلاق أبواب الرحلة، والإحباط المتصاحب مع ضياعها بعد تكبدهم عناء الطريق سدى، إلا أن تلك الرحلة الفائتة سقطت وهلك جميع من كان بها، من هنا، تحولت جميع المشاعر السلبية لديهم إلى نقيضها، بل شعروا بالامتنان على فوات الفرصة والخسارة المسجلة للتذاكر والسكن والرحلة بما فيها بشكل عام، فكيف بالأمور السلبية أن تصبح إيجابية؟ إنها دعوة للتفكر في حال الإنسان في هذه الحياة، فأنت كإنسان تحترق! نعم، الأم تحترق لأجل أطفالها وزوجها، والأب يحترق لأجل عائلته، والطالب يحترق بغية تحصيل أعلى المراتب والدرجات، والموظف يحترق لنيل الرضا الوظيفي، ولي في الأخيرة صولات وجولات مديدة، إلا أنني شاكرة لهذا الاحتراق والخناق، لم أعلم يومها أن خلف ذاك الاحتراق العديد من الاحتمالات والفرص المختبئة، والألطاف والهبات، والكثير من التعلم والنمو وأقصد بالتعلم هنا من الموقف وعن الموقف، والنمو الذي يأتي تباعًا، فتكمن الفرصة في تعلم الحدود الشخصية ورسمها، وإعادة ترتيب الأولويات، ومعرفة الذات بشكل أكبر، واكتشاف الهوايات والمهارات، وكسب الأصدقاء والتكاتف والتعاطف مع الآخرين، كذلك تجلي الفرص للبدايات الجديدة، ومعرفة الأنماط المشابهة للظروف السابقة للاحتراق والأشخاص المتداخلين فيها، لقد كسبت من احتراقي هوية، فلم يكن في الحسبان أن أجد نفسي على خشبة المسرح مع أصدقاء حقيقيين، أحبهم ويحبونني، نتشاطر الهموم الحياتية والفوضى العارمة والعواصف المدوية، إلا أننا نجتمع بالأمل وعلى الشغف.
منذ ثلاثة أعوام، لم أعد ذات الإنسانة، فلقد لمست من ذلك الاحتراق عودةً أقوى مما عهدت في حياتي، وأنت كذلك، يمكنك أن تنزع عنك السواد الدامس وتبدأ من جديد في ظروف وفترة جديدة، ستظل بعض الأيام حارقة إلا أنها تكسونا باللمعان الذهبي، لنعيَ دومًا متى ندنو بعلو ونبتعد على مقربة، وأين نمكث بأمان ونرحل باطمئنان.