جريدة الجرائد

صداقة شفهية قصيرة.. ونهاية سريعة وحزينة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بدأت علاقتي به عندما تلقيت طرداً من الزميل الأستاذ عبدالله بشارة، تضمن مجموعة كتب باللغة الإنكليزية، وبطاقة زيارة تحمل اسم من أهداها، خالية من لقبه العائلي الرسمي، سألت الأخ عبدالله عنه، حيث لم يسبق لي أن سمعت به أو التقيت الشيخ، فقال إنه من أطيب رجال الأسرة، والاحترام لهم جميعاً طبعاً، وأنه من الذين لا يميلون لاستخدام لقبهم، ومن المعجبين بما أكتب، وهذه هديته، نقلها لي من لندن، حيث كان الشيخ وقتها هناك.

قلبت في الكتب واستعرضت عناوينها، فعرفت درجة ثقافته من نوعية ما أرسل، وذوقه الرفيع. كان أولها The Return للكاتب الليبي الأمريكي هشام مطر، الذي لم يسبق أن سمعت به. والثاني My Friends للكاتب نفسه. والثالث We are your soldiers للكاتب البريطاني، المستعرب، ألكس رويل Alex Rowel. وكتاب Wahhabism لـ«كول بونزل»، وهو عن تاريخ الحركة الوهابية، وعدد آخر من الكتب الثمينة، التي لا يتسع المجال لذكرها.

غيّرت بعض تلك الكتب شيئاً من مفاهيمي، وأدخلتني في مجالات جديدة لم أكن أعرفها، فقد عرفتني على الكاتب الرائع هشام مطر الروائي العالمي، وصاحب لغة إنكليزية جميلة، نالت اعجاب الكثيرين، منهم الرئيس أوباما. كما استمتعت بكتبه الأخرى، ووجدت في كتاب «الوهابية» كنزاً من المعلومات لا يعرف غالبيتها حتى من عاش وهابياً طوال حياته! أما كتاب «ألكس رويل»، فقد كاد أن يدخلني مجال الترجمة والنشر من شدة إعجابي بمضمونه، ورغبتي في أن يتعرف القارئ العربي على جوانب خفية من سيرة الرئيس ناصر، حيث أدخلتني رغبتي في متاهات وأسرار النشر والترجمة، ولكن تبين بعد جهد أن حق ترجمة الكتاب ونشره قد اشترته دار نشر لبنانية من المؤلف مباشرة، وليس من ناشر الكتاب، وهي غير الدار التي حاولت التعاقد معها، لكن الدار المالكة للحق لم تقم بأي خطوات، بسبب... نقص «الدولارات».

اتصلت بالشيخ، لأشكره على الكتب، وعلى هديته الثانية، التي كانت مجموعة كبيرة من علب الشوكولاتة الفاخرة، فقاطعني طالباً عدم مخاطبتي إياه بأي لقب، وعدم شكره، لأن الاستمتاع بقراءة ما أكتب، أثمن لديه من تلك الماديات.

حاولت رد بعض الجميل له، عندما عاد للوطن من الخارج، لكنه رفض، بكل أدب، اعطائي عنوان بيته، وكرر شكره واحترامه، ووعدني بلقاء قريب، فور استطاعته التحرك بسهولة، حيث كان يشكو، كما اخبرني، من آلام في ركبه.

استمر تواصلنا الشفهي، واستمرت معرفتنا «الهاتفية»، مع وعد وراء آخر بلقاء قريب. أثناء ذلك سألت عنه بعض أقاربه فأشاد الكل بكرمه، وجميل شخصيته، فزادت رغبتي وإصراري على لقائه، لكن بالأمس تلقيت الرسالة التالية، من ابن عم له، يعيش معه في لندن:

«عزيزي أبوطارق، يؤسفني أن أحمل لك خبرًا حزينًا. لقد تُوفي الشيخ بدر ناصر حمود الصباح، في لندن هذا الأسبوع. كان يحبك كثيرًا ويكن لك كل احترام وتقدير، وجب علي أن أخبرك بذلك».

***

غمرني حزن شديد وغريب، وأنا أقرأ الرسالة. فعلى الرغم من أنني لم ألتقِ يوما الفقيدَ فإنني كنت أشعر دائماً أن هناك أموراً كثيرة تجمعنا، وسيسعدنا حتماً التحدث فيها، إن التقينا، لكان شاء القدر ألا نلتقي...أبداً. وقد يكون الفقيد الإنسان الوحيد الذي حزنت كثيراً على فراقه، دون لقائه، عدا بضع مكالمات هاتفية، عرفت منها شيئاً من جميل شخصه وعلو ثقافته، لكنه توفي من دون أن يعرف الأثر الإيجابي الكبير الذي تركه في نفسي، لقد كانت صداقة شفهية قصيرة، لكن نهايتها كانت بالفعل مفاجأة و.. حزينة جداً.


أحمد الصراف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف