جريدة الجرائد

خريف غضب أميركي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لماذا الاختلافُ حول موعد بداية فصل الخريف، لدى المقارنة بالفصول الثلاثة الأخرى؟ هل لأنّه يتّسم بسماتٍ لا تتوفر في بقية فصول العام؟ أم لأنّه، ظُلماً، اختير من بينها ليكون مجازاً عن الغضب، والتقدم في العمر، وبداية النهاية، رغم أنّه، في الوقت ذاته، فصلُ الحرثِ والبذار؟

الفيلسوف اليوناني أرسطو يقول إن سنونوة واحدة لا تصنع صيفاً. وهذا يعني أن ظهور السنونو في الأجواء علامة على بداية فصول الصيف. فما علامات الخريف؟ أهي الرياح الباردة، وغبش الضباب الصباحي وسقوط المطر، وانخفاض درجات الحرارة، وسقوط أوراق الشجر، وتساوي ساعات الليل والنهار، أم كل ذلك مجتمعاً؟

الروزنامة السنوية تقسّم العام إلى 4 فصول، وكل فصل لمدة 3 أشهر. هذا يعني أن شهر سبتمبر (أيلول) هو بداية فصل الخريف. وهو رأي يختلف عما يقوله علماء دوائر الأرصاد الجوّية، من أن يوم 21 سبتمبر هو أول أيام الخريف.

لكنني شخصياً أعرف موعد بداية فصل الخريف من خلال الروزنامة السياسية البريطانية. إذ منذ وصولي إلى البرّ الإنجليزي، واختياره ليكون لي مقرّاً ومستقرّاً، صرتُ أُعلّمُ وصوله ببدء انعقاد المؤتمرات السنوية للأحزاب السياسية الرئيسة الثلاثة. وبالتالي، لم أعد ألتفت لما يقوله علماء وخبراء الطقس أو غيرهم. فحين استيقظ صباحاً، وأسمع في نشرات الأخبار بدء استعداد الأحزاب البريطانية لانعقاد مؤتمراتها السنوية، أتخلى طواعية عن ارتداء قمصاني الصيفية، وألتجئ إلى خزنة ملابسي، وأستخرج منها ما يناسب برودة طقس الخريف.

خريف هذا العام في بريطانيا، أعلن عن حضوره خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وشهد بدء انعقاد مؤتمر حزب الأحرار الديمقراطيين السنوي. ويليه سريعاً الحزبان الآخران: العمال والمحافظون. العمال سيحتفلون في مؤتمرهم بوصولهم إلى الحكم بعد غياب استمر نحو عقد ونصف العقد من الزمن، ومؤتمرهم سيكون متميّزاً عما سبقه، كونه مؤتمر الحزب الحاكم، الذي ستتقرر خلال جلساته برامجه في الحكم. والمحافظون في مؤتمرهم سيختارون زعيماً جديداً، ويبدأون مجدداً رحلة طويلة أخرى، قد تستمر لعقد من الزمن، نحو العودة إلى 10 داونينغ ستريت، هذا إن صاحبهم حُسن الحظ.

أهم من انعقاد المؤتمرات السنوية للأحزاب البريطانية، ما سنشهده هذا الخريف على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، تحديداً يوم الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في أميركا، وأعني الانتخابات الرئاسية.

كما هو متوقع، الأعينُ كلها مشدودة إلى ذلك اليوم المشهود بترقب وخشية، وأمل كذلك. الأمر يتوقف على الضفة التي يقف عليها الواحد منّا. وكل يوم يمرّ، تزداد المسافة قِصراً، ويزدادُ الترقبُ، ويحتدُّ الخلافُ ويشتدُّ التنافسُ، ويكثرُ الإقبالُ على مكاتب المراهنات.

الانتخابات الرئاسية الأميركية تهمُّ أمم العالم أجمع، وليس الأميركيين فقط. وهذه حقيقة. وقرأتُ مؤخراً، في الإنترنت، أن البعض، من جنسيات مختلفة أخرى، يطالبون بحقّ شعوب العالم في اختيار من يحكم أميركا، أي بالمشاركة في التصويت. ورغم غرابة الطلب ولا معقوليته، فإنّه، في رأيي، لا يخلو من وجاهة.

المصالحُ هي من تقود وترسم سياسات الأمم والشعوب وحتى الأفراد، وهي من يحدد الوجهة والاتجاه الذي يأخذه التاريخ. وهي بطبيعتها تختلف. فمصلحة روسيا مثلاً، تتمثل في وصول المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض، كونه تعهد بوقف الدعم لأوكرانيا، وأيضاً بوقف الحرب نهائياً في وقت قصير جداً. ومصلحة أوكرانيا تتمثل في وصول المرشحة الديمقراطية، كونها تعهدت بمواصلة دعمها لحكومة كييف، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

لكن فصل الخريف الأميركي هذا العام، من المتوقع له أن يكون ساخناً جداً، وبخاصة بعد المحاولة الثانية لاغتيال المرشح الجمهوري. إذ يحتدم التنافس بين المرشحين على الرئاسة، كما توضح نتائج استبيانات الرأي العام، مما يُعدّ دلالة على انقسام أميركا على نفسها. وهناك خشية من أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى تطورات عنفية لا تُحمد عقباها، شبيهة بتلك التي حدثت في 6 يناير (كانون الثاني) عام 2020، تحت سقف مبنى الكابيتول. وهذا يعني أن فصل الخريف الأميركي هذا العام، قد يتحوّل إلى خريف غضب. لكن ليس بسبب قرار حكومي بزيادة أسعار الخبز.

الغضب الشعبي، نتيجة الانقسام، في بلد مثل أميركا، يتيح فيه الدستور للمواطنين حقّ حمل السلاح، يختلف عن نظيره في بلد آخر، تنفرد فيه الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية بذلك الحق. وعلى أي حال، فإن الأمور إلى حدّ الآن، في أميركا، تبدو تحت السيطرة. ولا بدّ أن الأجهزة الأمنية قد تعلمت درسها، مما حدث منذ أربع سنوات تقريباً. وتعمل على تفاديه بكل السبل الممكنة. إذ لا أحد مطلقاً، في أميركا أو خارجها، توقع حدوث الهجوم على مبنى الكونغرس. ومن الممكن كذلك التذكير بما حدث مؤخراً في فنزويلا بعد الانتخابات. وهو من غير المحتمل تكراره في أميركا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأميركي في يناير عام 2020، تكرر، بعد وقت قصير، في البرازيل، وبشكل يكاد يكون حرفياً، مباشرة عقب الانتخابات الرئاسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف