هل فعلاً أميركا مع "حلّ الدولتين"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سميح صعب
لم تُعر الولايات المتحدة أي اهتمام للاجتماع الذي عُقد في مدريد في الأسبوع الماضي لدول أوروبية وعربية وأخرى من منظمة التعاون الإسلامي، للبحث في "حلّ الدولتين"، وفي كيفية الانتقال من الأقوال إلى الأفعال لتحقيق هذا الحلّ، علماً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تكرّر أن "حلّ الدولتين" هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
جاء الغياب الأميركي مخافة التعرّض لانتقادات من الحكومة الإسرائيلية التي ترفض رفضاً مطلقاً أي حديث عن "حلّ الدولتين"، وتعتبر قيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من شأنه أن يعزّز نفوذ إيران في المنطقة، ويعرّض أمن إسرائيل للخطر.
يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس": "إن دولة فلسطينية لا تشكّل تهديداً تكتيكياً فحسب، إنما تهديد استراتيجي من الدرجة الأولى على وجود إسرائيل".
هذا هو المنطق الذي حكم سلوك نتنياهو منذ وصوله إلى الحكم في عام 1996، ومن بعدها منذ عام 2009 وحتى الآن، باستثناء سنة واحدة بين 2021 و2022. وبعد حرب غزة، تراجع التأييد في المجتمع الإسرائيلي لـ"حلّ الدولتين" إلى 19%.
مع ذلك، ثمة 146 دولة من الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة، يعترفون بدولة فلسطين. بيد أن هذا الاعتراف لم يُترجم بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وتقف واشنطن بقوة ضدّ مثل هذه الخطوة، زاعمةً أنها تقوض عملية التسوية المستقبلية للخطر، وأن الاعتراف بفلسطين يجب أن يكون ثمرة مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية. وطبعاً، لا يجرؤ أي سياسي إسرائيلي منذ سنوات على الحديث عن "حلّ الدولتين"، وهناك تلاقٍ تام بين الحكومة والمعارضة على معارضة قيام دولة فلسطينية.
وبما أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز من داعمي فكرة "حلّ الدولتين"، بادر في الربيع الماضي إلى الاعتراف بفلسطين لتحذو حذوه النروج وإيرلندا وسلوفينيا. وتعذّر على الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار جماعي للاعتراف بدولة فلسطين، بسبب معارضة بعض الدول الأعضاء الإقدام على هكذا قرار، لأن من شأنه أن يغضب الولايات المتحدة قبل إسرائيل.
هذه الخشية لم تمنع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من تكرار الدعوة إلى ضرورة اعتراف الاتحاد بالدولة الفلسطينية. وترجمة لهذا الاقتناع، حضر بوريل اجتماع مدريد، ما أثار غضب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي اتهم بوريل بمعاداة السامية.
وبعث اجتماع مدريد برسالة واضحة مفادها أن الحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزة وعمليات الاقتحام المتواصلة للجيش الإسرائيلي والمستوطنين لمدن وبلدات ومخيمات في الضفة الغربية، والتصعيد على الحدود مع لبنان، تستوجب أكثر من أي وقت مضى العودة إلى التفكير بأن "تعايش دولتين تتمتعان بالسيادة هو المسار الناجع الوحيد للسلام في المنطقة"، وفق سانشيز.
مع ذلك، تبقى كل القرارات والدعوات الدولية إلى "حلّ الدولتين" معرّضة للاصطدام بالحماية الأميركية لإسرائيل، بينما يعمل نتنياهو على الأرض لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، كي يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة مستقبلاً.
ويضغط نتنياهو، من خلال الحرب في غزة وتوسيع الهجمات على مخيمات الضفة ومدنها، لخلق واقع جديد في المنطقة، يقوم على ما يسمّيه "سلام الردع"، أي أنه يريد من الفلسطينيين ألّا يعترضوا على الاحتلال الإسرائيلي، وأن ينسوا مرّة واحدة وإلى الأبد أن لهم حقوقاً سياسية، مثلهم مثل أي شعب في العالم.
وعلى سبيل التذكير، هذه سياسة لم يبدأها نتنياهو، بل هي امتداد لسياسات الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948، وهي أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطين أو شعب فلسطيني، وتالياً "هناك سكان عرب" وفق تعبير المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب. وهذا تعبير مستمد من أفكار نتنياهو.