جريدة الجرائد

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

نقلت إسرائيل الحرب من غزّة، بعد تدميرها تدميراً كاملاً، إلى لبنان. الأمر المخيف أنه ليس في لبنان من يستطيع أن يكون في مستوى الحدث الكبير ذي الطابع المصيري بالنسبة إلى البلد وشعبه. يعود ذلك إلى الهرب اللبناني المستمر من الموضوع الأساسي المتمثّل في القرار الذي اتخّذه «حزب الله»، وهو قرار إيراني، بشنّ حرب على إسرائيل من بوابة الجنوب.

ليس في لبنان الرسمي وفي الأوساط السياسية والحزبية سوى عدد قليل من الأصوات تمتلك شجاعة التحذير من خطورة ربط مصير لبنان بمصير قطاع غزّة، أي بالمجهول.

ظهر هذا الربط بين لبنان والمجهول من الخطاب الذي ألقاه حسن نصرالله، أخيراً، وهو خطاب تجاهل فيه كلّياً مأساة ما حل بالقرى والبلدات الجنوبية التي نزح منها نحو 150 ألف مواطن لبناني حتّى الآن. اختار نصرالله للبنان، أو لجزء منه، مصير غزّة بحجة أنّها تريد القضاء على «حماس». يبحث الأمين العام للحزب، في ضوء تفجيرات «البيجر» وأجهزة الاتصالات التي في يد عناصر الحزب وقادته عن استعاة قوة الردع التي فقدها حزبه وإن نسبيّاً.

هذا ما تبحث عنه إسرائيل أيضاً التي باتت تفتقد قوة الردع نتيجة «طوفان الأقصى». هذا ما يجعلها في حاجة إلى انتصار كبير في لبنان يعيد سكان المستوطنات إلى البيوت التي نجح «حزب الله» في تهجيرهم منها.

هناك كلام يصدر عن كبار المسؤولين اللبنانيين يتحدث عن كلّ شيء باستثناء عن قرار إيران، عبر «حزب الله»، بشن حرب على إسرائيل انطلاقاً من جنوب لبنان. كيف لطرف في لبنان اتخاذ قرار بشنّ حرب، وكيف تستطيع الحكومة اللبنانية التصرّف بمعزل عن القرار القاضي بشنّ حرب على إسرائيل من الأراضي اللبنانية وليس من مكان آخر؟ من يقنع الدول ذات الشأن في هذا العالم بأن لبنان يتعرّض لعدوان إسرائيلي في حين سبق لحسن نصرالله أن أعلن صراحة ربط لبنان بحرب غزّة؟

يتصرّف المسؤولون اللبنانيون وكأنّهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بما يدور في البلد وما يحيط به... وكأنّ العالم عالم أغبياء، وكأن لا وجود للمنطق الذي يتحكّم بابعاد خوض حرب على إسرائيل بموجب شروط معيّنة. من يستطيع القول إن إسرائيل، التي قامت على الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، مستعدة لالتزام شروط الحزب وأن تخوض معه حرباً على مقاسه. جاءت تفجيرات الـ«بيجرز» وأجهزة الاتصال اللاسلكية لتؤكد أن لإسرائيل طريقتها في خوض الحرب مع الحزب ومع من يقف وراءه... وأنّه ليس صحيحاً أنّ «حزب الله» ومن يقف خلفه يعرفان شيئاً عنها وعن خفاياها.

ما لا يجوز تجاهله في هذا المجال الامتناع الإيراني عن الردّ المباشر على اغتيال إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في قلب طهران أخيراً. يشير مثل هذا التجاهل إلى وجود حسابات إيرانيّة دقيقة تأخذ في الاعتبار مصلحة «الجمهوريّة الإسلاميّة» في غياب حسابات تأخذ مصلحة لبنان واللبنانيين، بما في ذلك ما يمكن أن يحلّ بجنوب لبنان والقرى الحدوديّة تحديداً.

ثمّة تعام لبناني تام عن واقع يفيد أنّ في صلب المأساة، التي يعيش البلد في ظلّها وفي أساس المأساة، ما أعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، يوم الثامن من أكتوبر الماضي، بالصوت والصورة، عن فتح جبهة الجنوب «إسناداً لغزّة». كانت النتيجة انتهاء حرب غزّة من دون أن تنتهي حرب لبنان، وهي حرب معروف كيف بدأت وليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي.

ما الذي على أيّ لبناني تصورّه، أو توقّعه، غير الدمار عندما يتخّذ الحزب المسيطر على البلد، قراراً بشنّ حرب على إسرائيل وهي دولة أقرب إلى وحش في حال فلتان أكثر من أي شيء آخر؟

بات مطلوباً في الوقت الحاضر، بعد ما يزيد على أحد عشر شهراً من ربط لبنان نفسه بحرب غزّة، دخول مرحلة دفاع الدويلة اللبنانية ممثلة بحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، عن دولة «حزب الله». بكلام أوضح، ورّط «حزب الله» لبنان في حرب سيدفع ثمنها غالياً وصار على ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانيّة الدفاع عن ميليشيا أخذت مكان هذه الدولة، بدءاً بانتزاع قرار الحرب والسلم منها!

تخوض إسرائيل حرباً مع لبنان ممثلاً بـ«حزب الله» الذي ذهب إلى سورية ليقاتل شعبها من دون استشارة أحد. فعل الشيء نفسه عندما وقعت حرب غزّة في السابع من أكتوبر الماضي. ما الذي يريده لبنان من ربط مصيره بحرب غزّة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال الذي يفترض توجيهه إلى إيران التي لا يهمها ماذا يحل بالبلد الذي يعاني من حال فراغ لا شبيه لها في هذا العالم. يؤكّد الفراغ منع «حزب الله» انتخاب رئيس للجمهورية.

توجد مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها في ضوء الخطاب الأخير لحسن نصرالله وتأكيده الربط بين مصير لبنان وحرب غزّة. في طليعة هذه الأسئلة: في أي اتجاه ستتطور الحرب الإسرائيلية على لبنان وهل سيتمكّن الحزب، بغض النظر عن نتائج الحرب أو في حال التوصل إلى تسوية سياسيّة ما، من حصد ثمار المواجهة العسكريّة كما حصل صيف العام 2006؟

وقتذاك، كان الحزب المستفيد الأول من الحرب التي افتعلها مع إسرائيل على الرغم من صدور القرار 1701 الذي تجاهله كلّياً. انصرف الحزب إلى إعادة تشكيل السلطة السياسيّة في لبنان بما يناسبه. هل سيكون لديه المجال، في ضوء ربط لبنان بحرب غزّة، لاستكمال عملية إعادة التشكيل هذه... أم أن الأمر يتعلّق بإعادة تشكيل المنطقة كلّها، بما في ذلك الدور الإيراني وحجمه وطبيعته فيها؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف