الجزائر... الدخول المدرسي الجديد وشروط تحديث المنظومة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أزراج عمر
بعد مضي أسبوع واحد فقط على الدخول المدرسي الجديد، نبّهت وسائل الإعلام الجزائرية المكتوبة بنوع من الاستعجال إلى معالجة المشكلات المادية والمعنوية التي تعاني منها منظومة التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي والمهني، علماً أن هذه الصحف الجزائرية تفتقر في الغالب إلى إعلاميين متخصصين في الشأن البيداغوجي، وإلى هيئات تربوية استشارية دائمة تستند إليها عند فتح النقاش حول أحدث تقنيات وبيداغوجيات التعليم. فضلاً عن ذلك، فهي تخلو من الأقسام والملاحق الأسبوعية أو الشهرية التي تنشر الدراسات النظرية والميدانية العميقة بأقلام علماء التربية والتعليم، وباحثين وبيداغوجيين بارزين من ذوي التجربة المعتبرة في حقل التعليم بمختلف أصنافه ومراحله ومضامينه. وجراء ذلك، ينعدم النقاش المثمر في هذه الصحف حول سبل تحديث وتطوير منظومة التعليم التي تراهن عليها الدولة الجزائرية.
بدايةً، ينبغي الإشارة إلى أن الجزائر خطت من حيث العدد خطوات معتبرة في مجال إنشاء البنية التعليمية البشرية، حيث وصل عدد التلاميذ والطلاب المسجلين رسمياً في المنظومة التعليمية الجزائرية في هذه السنة إلى 12 مليون فرد. ويتجاوز هذا العدد الهائل تعداد سكان الكثير من الدول التي تتمتع بعضوية الأمم المتحدة. كما تمكنت الجامعات والمدارس العليا والمعاهد التكنولوجية الكثيرة والمنتشرة في محافظات (ولايات) البلاد من تكوين آلاف المعلمين والمفتشين والمستشارين الذين يمارسون العملية التربوية.
إلى جانب هذه الإنجازات، تصنّف السلطات الجزائرية وزارة التربية والتعليم ضمن صفّ وزارات السيادة، وتخصّص لها ثاني أكبر موازنة سنوياً، كما ينبغي الإشارة أيضاً إلى المبالغ الضخمة التي تُنفق سنوياً لتغطية تكاليف شراء وصيانة التجهيزات، وطباعة ملايين الكتب المدرسية، وبناء المدارس، فضلاً عن مصاريف المطاعم المدرسية التي تضمن الغداء لجميع التلاميذ المتمدرسين.
رغم أهمية المكاسب التي تحققت حتى الآن، يلاحظ أن هناك عدداً من المشكلات التي لا يُستهان بها لا تزال تعرقل إحداث النقلة النوعية المنشودة التي يفترض أنها ستوفر إمكانية التحوّل الجذري الذي يمكن أن يحقّق أرضية لتأسيس الحداثة "اللغوية والعلمية والفكرية والمهنية في مفاصل المنظومة التعليمية الجزائرية التي تحتاج فعلياً إلى تجاوز عادة ’الترقيع النمطي‘" الذي يُرتجل خلال كل دخول مدرسي.
وفي هذا الخصوص، أشار بعض هذه الوسائل الإعلامية الجزائرية في الأيام الثلاثة الماضية إلى مسألتين إجرائيتين، هما ضرورة إعادة إدماج التلاميذ المطرودين على مستوى الطور المتوسط والثانوي في أقرب الآجال، تنفيذاً لتعليمات الرئيس عبد المجيد تبون، كما أوضح مسؤولون في وزارة التربية والتعليم، وبالتالي فقد أكّدوا أن الهدف من هذا الإدماج هو إعطاء هؤلاء فرصة جديدة لمواصلة دراستهم، سواء في الجامعات أو في مؤسسات التكوين المهني.
وإلى جانب قضية الإدماج، طرحت تعليقات بعض الإعلاميين الجزائريين مسألة مهمّة تخصّ ظاهرة الدروس الخصوصية التي لم تسمح بها تشريعات منظومة التعليم الجزائري حتى الآن. وفي هذا الخصوص، دعت جمعيات وروابط عدة تابعة للمجتمع المدني المسؤولين في وزارة التربية الوطنية إلى الإسراع في معالجة الأسلوب المتبع حالياً في مجال ممارسة المعلمين الخواص تدريس الدروس الخصوصية، بعيداً من إشراف المؤسسات الحكومية وإطاراتها. وترى هذه الجمعيات أنّ من الضروري والمستعجل ضبط تكاليف هذه الدروس ومراقبة مضامينها، وفحص أساليب وبيداغوجيات التدريس المعمول بها، وذلك وفقاً لقوانين المنظومة التربوية التي تشرف عليها الدولة الجزائرية.
وفي ما يتعلق بالتكوين المهني الذي هو من اختصاص وزارة التكوين والتعليم المهنيين، فإن هذه الأخيرة أعلنت هذا الأسبوع عن منح فرصة أخرى للراغبين في استكمال إجراءات التسجيل لمواصلة التكوين والتعليم المهنيين، والاستفادة من هذا الصنف من التعليم التقني والمهني، الذي يلعب دوراً محورياً في إثراء مسار التنمية الوطنية على مستوى مختلف ميادين المهنيات - أو الصنائع بتعبير ابن خلدون – كالبناء والفلاحة والزراعة... وهلمّ جرّا.
ويرى خبراء في التعليم الجزائري من مربين ومفتشين قدامى، أن هذه القضايا المذكورة آنفاً تكتسي أهمية بالغة، خصوصاً أن الجزائر تعتبر التعليم ركيزة أساسية، وجراء ذلك ما فتئت تخوض منذ الاستقلال في عام 1962 معركة القضاء على شتى أنماط الأميّات الحرفية والمهنية والفكرية في المجتمع الجزائري. وواضحٌ أن سياسات تعميم التعليم مكسب أساسي للتلاميذ وأوليائهم معاً، وهو ما تكفله تشريعات الدولة.
وفي ضوء ذلك، يقترح هؤلاء الخبراء الإسراع في فتح فضاءات للحوار من أجل التوصّل إلى إبداع الحلول الملائمة للتسرّب المدرسي الذي يُعتبر آفة خطيرة، ولاكتظاظ الأقسام الذي يلعب دوراً سلبياً في شلّ قدرات المدرسين على التحكم في العملية التعليمية، وفي توزيع المعارف على التلاميذ بشكل هرموني، ولضعف المستوى اللغوي الذي ما فتئ يتراجع دراماتيكياً لدى التلاميذ والمعلمين معاً، ولهشاشة التكوين العلمي والمهني للإطارات المكلفة بعمليات التدريس.
وفضلاً عن ذلك، يرى هؤلاء الخبراء أن معالجة هذه المشكلات المذكورة ينبغي أن يُسند بإيجاد الحلول الراديكالية للمشكلات الاجتماعية والمادية التي يعاني من ويلاتها المعلمون والإطارات المشرفة على بيداغوجيات العملية التربوية، لأنّ رفع رواتب هيئة التدريس بما يضمن الحياة الكريمة، وتوفير السكن اللائق لأعضائها سيساهمان في خلق الانفراج النفسي والاجتماعي لديهم، وهو الأمر الذي سيضع بلا أدنى شكّ قطار المنظومة التعليمية في الجزائر على السكة الصحيحة والصلبة.
ترقية بعض إطارات هذه المنظومة إلى رتبة مفتش بالابتدائي في مادتي الإنكليزية والرياضة لتوفير الآليات التي بموجبها يتمّ الإشراف البيداغوجي على التعليم الحسن للدروس من قبل المدرسين، وكذلك فحص الطرق والمنهجيات التي تتمّ فيها عمليات توصيل مضامين البرنامج الدراسي إلى التلاميذ على مدار السنة الدراسية.