جريدة الجرائد

فخ الانطباع الأول.. لا تحكم على الغلاف !

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سامي الدجوي

تقول العبارة الشائعة: إن الانطباع الأول هو الانطباع الأخير. وتؤكد على ذلك العبارة المترجمة، التي تقول: لا توجد فرصة ثانية لصنع انطباع أول (You never get a second chance to make a first impression). هاتان العبارتان تُعطيان أهمية كبيرة للانطباع الأول الذي تتركه في الآخرين، وتتلقَّيان تركيزًا خاصًا على الانطباع الأول الذي تأخذه عن الآخرين. تُشير الدراسات إلى أن أدمغتنا قادرة على تكوين رأي سريع عن شخص ما خلال عُشر الثانية من لقائه لأول مرة. فما هي الجوانب الإيجابية في ذلك؟

هناك العديد من الجوانب الإيجابية للانطباع الأول، منها: 1. سرعة اتخاذ القرار: ففي بعض المواقف، نحتاج إلى اتخاذ قرارات فورية لتقييم الأشخاص بناءً على الانطباع الأولي فقط. فمثلًا، رجال الأمن يتطلب منهم تقييمًا فوريًا لشخص ما لتحديد ما إذا كان يمثل تهديدًا محتملاً. في مثل هذه الحالات، تكون السرعة في تشكيل الانطباع الأول واتخاذ القرار أمرًا ضروريًا لضمان أمن وسلامة الناس. 2. توفير الوقت والجهد: تُمكن القدرة على تشكيل الانطباع الأول السريع من ترشيد الوقت والجهد في تقييم الآخرين. فبدلاً من قضاء وقت طويل في تقييم شخص بدقة في كل جوانب شخصيته، يُمكن أن يُساعد الانطباع الأول فقط على تحديد مدى جدوى استثمار المزيد من الوقت والجهد في التعرّف على ذلك الشخص. فمثلًا، في المقابلات الشخصية، في بعض الأحيان قد يضطر مديرو التوظيف إلى اتخاذ قرارات سريعة بناءً على الانطباع الأولي، خاصة عند وجود عدد كبير من المتقدمين وضيق الوقت المتاح. في هذا السياق، فإن التأخير في اتخاذ القرارات وعدم كفاءة استخدام الوقت والجهد في تقييم الآخرين يمكن أن يؤدي إلى عواقب سلبية، لذا فإن في هذه الحالات من المهم أن يتم تقييم الآخرين بناءً على الانطباع الأول، بغض النظر عن دقتها.

إلا أن هناك بعض الأشخاص يقومون بإصدار الأحكام على الآخرين بناءً على الانطباع الأول فقط في جميع المواقف، والمشكلة الآخرى أن هذا الحكم يبقى في الأذهان لفترة طويلة ويصعب تغيرها. هنا يقع هؤلاء الأشخاص في فخ يسميه علماء الإدارة ومتخصصو السلوك التنظيمي بـ«انحياز الانطباع الأول» (First impression Bias) وهو نوع من أنواع التحيّز الإدراكي. نذكر مثالاً للتوضيح من واقعنا العملي، تخيل أنك ذهبت لمقابلة وظيفية، وكنت متوترًا أثناء المقابلة، ربما يترك هذا التوتر انطباعًا سيئًا عنك لدى مديرك بأنك أقل كفاءة وجدارة وثقة، رغم ذلك فقد تم توظيفك لأنك تمتلك مؤهلات علمية عالية وخبرات عملية متنوعة ومهارات وظيفية مطلوبة. فماذا تتوقع أن يعاملك مديرك في الفترة الأولى من عملك؟ صحيح، سيعاملك بناءً على الانطباع الأول الذي كوّنه عنك أثناء المقابلة الشخصية، وللأسف قد يستمر هذا الانطباع السلبي في ذهن مديرك لفترة طويلة من الزمن. لكن مع استمرار تفاعلك الإيجابي في العمل، ربما يأتي يوم ما ويُثني عليك مديرك بأنك «تحسّنت!» عما كنت عليه في أولى أيام توظيفك، رغم أنك لم تقم بأي مجهود إضافي.

إيجازًا لما سبق، إن الانطباع الأول يُعتبر أداة مزدوجة الأثر في عالم التواصل الشخصي والمهني، وقوة مؤثرة في تشكيل قراراتنا وعلاقاتنا. فالعقل البشري سريع في تكوين الرأي عن الآخرين من خلال الانطباع الأول منذ لحظة اللقاء. فبينما يُوفر هذا الانطباع ميزة السرعة في اتخاذ القرارات في المواقف الحرجة، وفائدة التوفير في الوقت والجهد في الأوقات العصيبة؛ إلا أنه يحمل معه مخاطر الأحكام المتسرعة والصورة المشهوة والتحيزات المُجحفة. ويحصل ذلك، إذا تم استخدام هذه الطريقة في جميع الأحوال، وإذا رسّخ هذا الانطباع الخاطئ في عقول الآخرين لفترة طويلة. أخيرًا، لنتذكر أن الانطباعات الأولى قد تكون بداية القصة، لكن أعمالنا وإنجازاتنا هي من تكتب فصولها. فلنسعَ جاهدين لبناء مجتمع يُقيّم الأفراد على جوهرهم وإسهاماتهم، لا على مجرد لحظات عابرة، محققين بذلك رؤية وطننا الطموحة 2030 نحو التميز والازدهار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف