العام التالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مضى العام الأول... الإقليم ينفجر في العام التالي... دائرة النار تتسع، لا أفق واضحاً. الحرب الإسرائيلية على غزة تتمدد إلى مسرح آخر هو المسرح اللبناني، الذي طالما عانى من الحروب الداخلية والخارجية على مدى ثمانية عقود، منذ استقلاله عام 1946.
اللحظة كاشفة... ألسنة اللهب تمتد في ساحة شاسعة، تبدأ من الأراضي الفلسطينية، ولا تنتهي في لبنان، بل قد تصل إلى عواصم أخرى، وفي حينها سيصبح الإقليم بين حزام الجحيم.
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مضى عام... خلّف وراءه كوارث ودماراً وقتلاً وإبادات جماعية، وآلافاً من الشهداء والجرحى والمصابين في كل من غزة ولبنان وأماكن أخرى.
ثمة أسئلة تطرح نفسها: ما الذي جرى هذا العام الدامي على الصعيدين: الإقليمي والدولي؟ ما الذي تبقى من تداعياته؟ وماذا يحمل لنا العام التالي من الحرب؟ وماذا سيكتب التاريخ عن تراجيديا عام الموت هذا؟
إن يوم السابع من أكتوبر، لم يبدأ نفس اليوم، إنما يعود إلى ثمانية عقود جاثمة على ظهر الشعب الفلسطيني الذي عانى من القتل والتشريد واللجوء والملاحقة، والتصفية في كل مكان، وكان ولا يزال يحلم بتقرير مصيره، وتحرير أرضه، وإقامة دولته المستقلة، ككل شعوب الأرض التي خضعت للاستقلال، وخاضت مثل هذه التجربة المريرة.
كان أنطونيو غوتيريش محقاً، عندما قال: إن يوم السابع من أكتوبر يعود إلى الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون من احتلال، وهو التصريح الذي أدانته إسرائيل باعتباره يكافئ المهاجمين، وكذلك رأى كثير من العواصم العالمية، أن هذا التصريح بمثابة اعتراف دولي بضرورة حصول الفلسطينيين على العدل المفقود.
تفاصيل عام الحرب هذا حملت في طياتها إشارات واضحة كشفت عن هشاشة النظام الدولي، وضعف منظماته الدولية، خصوصاً الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وحتى المحكمة الدولية أو الجنائية، عجزت إلى الآن عن تنفيذ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وكان للقوى الكبرى النصيب الأكبر في تعطيل تنفيذ القوانين الدولية، من خلال استخدام الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو)، لتعطيل أي مشروع يؤدي إلى وقف إطلاق النار.
الأخطر من ذلك أن عام الحرب هذا، مزق قوانين وتشريعات كانت تخص الحرب، لا سيما اتفاقيات جنيف الأربع المتعلقة بالأوضاع الإنسانية أثناء الحروب، فقد اعتدت إسرائيل على المدنيين - أطفالاً ونساء ورجالاً وشيوخاً، واعتدت على المستشفيات، ومراكز الإيواء، ومراكز التعليم، وطالت المسعفين والموظفين الدوليين المحميين بقوة القانون، ناهيك بقتل الصحافيين والإعلاميين لمنع ظهور الحقيقة.
كل هذا جرى أمام بصر وسمع المجتمع الدولي الذي تعامل معه كأنه أمر طبيعي من دون أن تهتز له الضمائر، وبذلك سنت إسرائيل، خلال عام الحرب هذا، قوانين جديدة للحرب، تشطب كل ميراث البشرية في مثل هذه الحالات، ومع الأسف؛ فإن هذا التشريع الإسرائيلي يمكن أن يكون القاعدة العامة في الحروب بين الدول.
ثمة وقائع جديدة على ظهر عام الحرب هذا، من بينها اتساع دائرة الاغتيالات الموجهة لأفراد وشخصيات مؤثرة على مسرح العمليات، واستخدام أسلحة الذكاء الاصطناعي الفتاكة، وتوسيع العمل الاستخباراتي القاتل، والاستطلاع بالنيران وسط المدنيين، وهو الخطر الأكبر، لا سيما مع استخدام طائرات «الدرون» الصغيرة، التي قد تستهدف أشخاصاً في منازلهم.
إن أحداث العام الماضي على الحرب تنذر بأخطار أكبر في عهدة العام الثاني للحرب، فالمشاهد تزداد تعقيداً، والانزلاقات، تتدافع لتصل بالإقليم إلى نقطة حرجة، قد تكسر كل الخطوط الحمراء، وتصل إلى حرب عالمية ثالثة، أو على الأقل حرب إقليمية لا تبقى ولا تذر، حرب تستخدم الطاقة رهينة، وتستخدم البنية الأساسية في معركة طحن العظام هذه.
أعتقد أن انكشاف العام الأول أمامنا يدفعنا إلى التساؤل، هل يمكن أن تستمر الإبادة الإسرائيلية للبشر، والعبث بالقوانين الدولية، والأوضاع الدبلوماسية المستقرة، وتضرب العلاقات بين الشعوب والدول بهذه الوتيرة الرهيبة، أم أنه يمكن أن نرى ضوءاً في نهاية النفق؟ وتتحرك المؤسسات الدولية لتطبيق القانون بالقوة الجبرية، كما حدث في العراق ويوغوسلافيا عندما خضعت الدولتان للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟
نعتقد أن إسرائيل في توسيعها للحرب تعرف أن هناك خطوطاً حمراء، عندما تصطدم بدول بدلاً من اصطدامها بتنظيمات أو جماعات، فعند اصطدامها بالدول، فالأمر يختلف لدى الجميع، لكن مع ذروة اللهب في الإقليم، أستشعر أن هناك ما يختمر في الغرف السرية، وفي الكواليس ربما يمنع الانفجار الكبير الذي يقوده المتطرفون من مختلف المشارب، ولعل وعسى تستفيق كل أطراف اللهب، وأصحاب المعادلات الصفرية، فالخرائط لا تحتمل عاماً جديداً كالذي جرى منذ السابع من أكتوبر 2023. والإنسانية لن تقبل كتابة فصل جديد من تراجيديا الموت.