جريدة الجرائد

إنّي أشعر بكَ ناجيًا يا لبنان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إنّي أشعر بلبنان. إنّي أشعر بكَ، يا بلدي. وها أنا أكتب "عنكَ"، وأكتب "عنّي"، تحت سطح هذا الموت، تحت سطح هذا العدم. فأنتَ، وأنا، والكلّ، نصير الموت والعدم، ونصير اللّاشيء، واللّاأحد، جرّاء ما جعلوكَ فيه. ولا حدود لما جعلوكَ فيه. ننعدم. ننحلّ، نذوب، نندثر، ليس جسديًّا، في الضرورة، وإنّما كليانيًّا. كحالكَ الآن، كحالي، كالجميع، في خضمّ هذا الانوجاد المميت. وإنّي أصير حالكَ. حيث جُعِلتَ جحيمًا تشهد نفسها، وترى إلى نفسها تضطرم وتحترق، ولا تمنع ما تراه، ولا تشوّش كينونته، بل تغضّ، وتحتضن، وتحتوي، وتصير. وهي حالكَ – حالي. على هذا النحو، أنا أشعر بكَ، يا لبنان. وحياتُكَ برهةُ "فارقٍ" ما. احتسابٌ لكينونةٍ ما فوق موجودة، ما فوق كائنة. ليس لأنّها غير محسوسة، بل فقط لأنّها في نخاع الباطن اللّامدرك، في السائل الذي لا تفسير له، ولا ماء يسمّيه، ولا دمع، إلّا بالعقل. وأسمّيه التحليق الفلسفيّ. إنّكَ وإنّي هذا الموت، يا لبنان. وهذه الحياة. وهذه السماء. وهذه الأرض. وهؤلاء الناس. وإنّكَ وإنّي الكائن اللّاكائن. ونحن الألم معًا، باعتباره امتحانًا ماحقًا. وأبديًّا. وإنّنا الكلّ المحسوس. وإنّكَ وإنّي الكلّ. وليس "معكَ" و"معي" أحد. وأنايَ ليست "معي". فأيّ موتٍ هو هذا الموت. وأيّ حياة!إنّي أشعر بكَ، يا لبنان. والكلّ "معي". وليس أحدٌ "معي". ولا أنايَ "معي". فكيف لكَ، ولنا، أنْ نتحمّل هذا الوزر، هذا الشقاء كلّه؟! كيف نعبر هذا الامتحان؟! إنّي أشعر بكَ، يا لبنان. وقد تتحمّل أكثر أكثر. ويجب. وستنجو. إنّي أشعر بكَ ناجيًا، يا لبنان!*** هان كانغلقد مُنحتِ جائزة نوبل للأدب، لأنّكِ تواجهين الصدمات التاريخيّة والأعرف والقواعد المجتمعيّة غير المرئيّة، وتكشفين هشاشة الحياة البشريّة. لا شكّ أنّ أدبكِ الشعريّ والروائيّ يفعل ذلك بتمايزٍ مستحقّ، وبخصوصيّة مرموقة. رواياتكِ وقصصكِ القصيرة وقصائدكِ وخطبكِ ومواقفكِ، تشهد بذلك. وها هي ترجماتٌ لكتبكِ قد حطّت منذ زمن ليس بقليل على رفوف مكتباتنا وفي متناولنا والقرّاء. وحسنًا فعلت الأكاديميّة السويديّة لأنّها أرادت التنويه بهذا الجهد المتألّق. في براءة الجائزة، أنّكِ صاحبة إدراكٍ فريدٍ للارتباطات بين الجسد والروح، بين الأحياء والأموات، وأنّ "يديك الباردتين" لطالما كانتا منهمّتين بتشريح الروح والجسم، والعطب العميم، حيث الحياة ورقة تتقوّس فوق هاوية، وحيث نحن نعيش فوقها مثل البهلوانيّين المقنّعين. ولطالما كنتِ تعيشين ما تعيشه "الأشجار الملتهبة" وما تشعر به. ولقد كتبتِ ذلك، كما لو كنتِ شجرة ملتهبة. وهببتِ، لأنّ "الريح تهبّ"، يا هان، وعلينا أن نذهب إلى ملاقاتها، وأنْ نتلقى "الدروس اليونانيّة". أتذكّر "الأفعال البشرية"، وتلك المجزرة التي قُتل فيها العزّل من المدنيّين والطلّاب، فقط لأنهم أرادوا أنْ يواجهوا الآلة الوحشية. وها أنا أرحّب بفوزكِ. ومعي ترحّب، أرواح الموتى، الأرواح التي انفصلت عن تلك الجثث المجهولة التي لا أسماء لها ولا هوّيات ولا أصحاب. "الكتاب الأبيض"، هو مرثيّتنا الفرديّة والجماعيّة. وليت "النقاهة" تكون نقاهتنا. وليت "نحن لا نفترق" يكون عدم افتراقنا، ويكون روايتنا وكتابنا. ويا ليت "لا تقل وداعًا"، يكون لهؤلاء الذين يودّعوننا كلّ يوم. لو تعلمين، يا هان كانغ، كم جائزة يجب أنْ يُمنح أدب لبنان، لأسبابٍ قد تتفوّق على الأسباب الواردة في براءة جائزتكِ. وأقول هذا، ليس غيرةً ولا حسدًا. لكن، على سبيل جعل موهبة لبنان في نصابها والمقام، لحظةَ التأمّل في مهزلة هذا العالم، وضحالاته، وجهنّمات معاييره! ليتكِ تشعرين بموهبة لبنان، يا هان. تحيّة إلى أدبكِ، يا ابنةَ كوريا الجنوبيّة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لبنان هو لبنان... بكل بساطة
سلمى -

عفواً لكنني لم افهم شيئاً من هذه المقالة الوجدانية وشكراً