جريدة الجرائد

بداية التمرّد والكلمة قيلت

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كلّا، لم يأتِ عباس عراقجي وزير خارجية إيران في ٤ تشرين الأول (أكتوبر) الجاري ليقف في وجه القرار الوطني التاريخي الذي عبّر عنه الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي ووليد بك جنبلاط، من منبر مقر الرئاسة الثانية في ٢ تشرين الأول الجاري. مهما يكن من أمر إيران في لبنان، فإن لبنان الرسمي والشعبي قال كلمته، فضلا عن مواقف القادة المسيحيين بمن فيهم الكنيسة. إنهم في ذلك اليوم قالوا نريد وقف إطلاق النار وتطبيق القرارات الدولية وانتخاب رئيس جديد. والكلمة هذه هي للبنانيين.عراقجي غريب. هو طارئ. مبعوث جمهوريته ونظامه. مكانه ليس بين مئات الشهداء من شباب لبنان الذين دفعوا حياتهم أثماناً لمصالح إيران في لبنان وسوريا. هذا الموقف اللبناني الواضح والصارم هو الذي انتصر. ولا أقول سينتصر. إنه انتصر بمجرد الإعلان عنه. حينما نتكلم، حينما نتمرّد بالكلام، فهل لهذا النوع من الغضب مكان في أصوات المدافع والطائرات التي هي سيدة الميدان؟ والميدان تعبير سرى في الآونة الأخيرة للقول إنه هو الذي يقرر النتيجة.حدث ذلك على طول التاريخ في مختلف أزمنته. والحروب كلها دلّت على أنها تبدأ بشيء وتنتهي بشيء آخر. تماماً مثلما حدث عندنا في الثامن من تشرين الأول السنة الماضية وحتى الآن. والشيء الآخر غير معروف حتى الآن. لماذا أُقحم لبنان في صراعٍ ليس له؟ ولماذا وقع هذا العدد الهائل من الشباب اللبناني ضحايا هذه الحرب؟ ولماذا كل هؤلاء الضحايا من المدنيين وكل هذا الدمار لمساحة واسعة من لبنان؟ أسئلة يضعها اللبنانيون أمامهم اليوم من دون أن يجدوا الجواب. فالفواجع الحالية اليومية تنقلنا إلى واقع يُفترض بنا ولو مكرهين أن نتجاوز معه تحديد المسؤوليات، لأنها معروفة. ولكن أن يصبح ربع اللبنانيين نازحين في وطنهم فهذا هو الهمّ الأول حالياً والشاغل الأول لكل الأصدقاء من عربٍ وأوروبيين. والجواب الأول بعد تدفق المساعدات هو كيفية وقف النار بالنسبة إلينا، كيفية فصل الجنوب عن غزة. لأن ربطنا بغزة كان منذ البدء قراراً بالغ الظلم دفع ثمنه لبنان كله بالنتيجة، ولا يزال. ولكن القول اليوم أن لا انتخاب لرئيس جديد للجمهورية إلا إذا توقف القتال، وفق ما أفتى به نائب رئيس "حزب الله"، ووفق ما جاء يوحي به وزير خارجية إيران، فهذا أمر تتوقف عنده الغالبية الساحقة من اللبنانيين. ومن المؤكد أن في طليعتهم أولئك الذين غادروا منازلهم وأرزاقهم في الجنوب وأصبحوا لاجئين في بلدهم، لأن اللبنانيين يؤمنون بأن الذين يحكم مسارهم ومصيرهم ومؤسـساتهم هو الدستور اللبناني، وليس هذا الفريق أو ذاك، وليس تلك الدولة الطارئة أو تلك، فالدستور هو القانون الأسمى وهو الذي يرعى الشأن اللبناني. وإلا لماذا حلّ بلبنان ما حلّ به؟ إسرائيل معروفة بالنسبة إلينا: أولاً إنها تكره لبنان واللبنانيين وصيغتهم، والمراوغ نتنياهو كان واضحاً في غشّه عندما وصف لبنان بجوهرة الشرق، داعياً إلى التفرقة. والثاني بكل أسف، أن إسرائيل دون سواها من دول العالم تمكنت من التغلغل في عملية اتخاذ القرار في واشنطن وباتت متحكمة فيه. لأن اتخاذ القرار في أميركا له أصولٌ ومفاهيم وطرق لم تتمكن دولٌ أخرى من الاهتداء إليها. وأميركا هذه لا تجد لها مصلحة اليوم في إيقاف الحرب في لبنان. ولكن ها هي فرنسا تتحرك عبر المؤتمر الذي تخصصه للبنان في ٢٤ من الشهر الجاري، وها هي أميركا بالرغم من العلاقة شبه العضوية مع إسرائيل لم تتخلَّ عن لبنان ولن تتخلّى. وها هم العرب هبوا هبّة واحدة لمساعدته.ولكن الأهم من كل ذلك، وبالرغم من كل هذا الموت والدمار ومن استمرار هذا القصف المدمر والأعمى للجنوب والبقاع والضاحية وقلب بيروت، بات واضحاً أن اللبنانيين تحرّروا. كأنهم كانوا أسرى حرب وخرجوا إلى الحرية ولو بمجرد أن قالوا كلمتهم، وهذا هو الأهم، وهنا تتفوق الكلمة على الميدان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف