جريدة الجرائد

ليبيا... أحزابٌ في حقائب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد نجاح الانقلاب العسكري في شهر سبتمبر (أيلول) 1969 في ليبيا، بقيادة العقيد معمر القذافي، كان من أول قرارات مجلس قيادة الثورة منع الأحزاب السياسية وحظرها، واعتبار «من تحزّب خان». السؤال: خانَ من؟ وضع على الرّف.

الذين لا يعرفون الوضع السياسي الليبي قبل ذلك التاريخ قد يذهب بهم الاعتقاد إلى أن الأحزاب السياسية آنذاك، وقبل ذلك الحظر سيئ الصيت، كانت جزءاً من المعمار السياسي الليبي، ومرحّباً بها، وموجودة، وتمارس نشاطاتها الحزبية. وفي الواقع، فإن النظام الملكي سبق النظام العسكري في عدائه للأحزاب، وقام بحظرها ومنع تواجدها ونشاطاتها بعد أول انتخابات نيابية بعيد الاستقلال. ذلك القرار بالحظر دفع بالأحزاب إلى الاختفاء من أرض الواقع، إما بحلّ نفسها، أو بالتوجه نحو العمل السرّي. هذا من جهة.

من جهة أخرى، ترى أستاذة علم السياسة، الأميركية ليزا أندرسون، أن هناك قاعدة عامة تحكم علاقة الأحزاب بالنظام القائم في أي بلد. فإذا كان النظام القائم ديمقراطياً كانت أحزاب المعارضة ديمقراطية، والعكس صحيح. والأحزاب التي ظهرت وعملت سرّياً في الداخل، أو علنياً في الخارج، تأسست على نسق النظام العسكري القائم آنذاك، وكأنها نسخة منه. حيث القائد الزعيم والمنقذ والمحرر الذي ينفرد بسلطة القرار، ومن حوله يلتف مريدون ومصفقون، ولا مكان لمعارض له بينهم، ومن يشاء معارضته عليه الانسحاب من الحزب، وممارسة المعارضة من خارجه!

العمل السرّي، والمنع من التواجد فوق الأرض، لم يكونا كافييْن لردع البعض من المخاطرة، وتأسيس أحزاب برايات مختلفة. ووجدت تلك الأحزاب فرصتها وممارسة نشاطاتها في الداخل سرّياً على حياء، والخارج علنياً وبجرأة؛ ذلك أن عديداً من النشطاء السياسيين اختاروا الإقامة في المنافي، في دول الجوار أو في أوروبا وأميركا. خلال سنوات الحكم العسكري، تمكن النظام من خلال أجهزته الأمنية من اختراق العديد من أحزاب المعارضة في الخارج، وزرع العديد من عناصره داخلها، وعلى أعلى المستويات. كما عمل على شراء البعض من القيادات بالأموال. ومن فشل في استقطابهم بالأموال سعى إلى تصفيتهم جسدياً.

بعد سقوط النظام العسكري في فبراير (شباط) 2011، شهدت ليبيا طفرة في ظهور الأحزاب. تلك الطفرة لم تكن حكراً على ليبيا، بل شهدتها دول عديدة، خاصة في دول أوروبا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

من سمات تلك الطفرة الحزبية طفو أعداد كبيرة من الأحزاب على السطح فجأة، أغلبها معلق في الهواء، أي بلا جذور أو أنصار أو رؤية ومنهج. مجرد يافطات تحمل أسماءً وشعارات فارغة بلا معنى، يقف وراءها أشخاص انتهازيون في الأغلب، يريدون الحصول على نصيب من كعكة تتناهبها الأيدي. وليبيا لم تكن استثناءً.

الفقاعة الصابونية الحزبية التي ظهرت بعد فبراير 2011 تلاشت في الهواء سريعاً، كما هو متوقع، ولم يبق في الساحة سوى حزب «الإخوان المسلمين»، كقوة حزبية منظمة وفاعلة، بكوادر حزبية مؤطرة، وبأهداف سياسية واضحة، وتمكنوا من التسلل إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والإعلامية. من الممكن الإشارة إلى المجلس الأعلى للدولة كمثال.

السؤال عما حدث لبقية الأحزاب الأخرى المسجلة بوزارة العدل، وتجاوز عددها الخمسين حزباً، ليس في حاجة إلى عناء البحث عن إجابة. وباستثناءات قليلة - حزب السلام والازدهار على سبيل المثال، برئاسة محمد خالد الغويل - لم يعد لها وجود واختفت بأسرع مما ظهرت. ولا يبدو لها حضور واقعي إلا من خلال البيانات الباهتة التي يصدرها مؤسسوها، من حين لحين، في مختلف المناسبات، تذكيراً بأنهم ما زالوا أحياءً، وما زالوا يطمعون في حصة من الكعكة. لكنها على الواقع، مجرد أحزاب ورقية، بمقرات حقائبية، بداخلها أختام وأوراق تحمل شعارات براقة، يتنقل بها أصحابها من موقع إلى موقع، ولا شيء آخر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف