الحرب الباردة بين أمريكا والصين إلى أين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الحبيب
أثناء العلاقة التنافسية بين الولايات المتحدة والصين في العقد الماضي، كانت بعض التوترات في تلك العلاقة تستدعي سؤالاً مقلقاً على مستوى العالم، وهو هل تنشب حرب باردة بين البلدين مما يؤثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدان العالم؟ حالياً، لم يعد هناك خلاف أن هذه الحرب الباردة قد انطلقت، إنما السؤال ما هو مستقبلها؟ وإلى أين ستؤدي؟ هل من الممكن أن تتحول إلى حرب ساخنة؟
كلا البلدين يخشى من أن الطرف الآخر هدفه النهائي هو القضاء على نظامه السياسي، أو على الأقل تهديد مصالحه.. «إذا أردنا أن تكون لنا علاقة بناءة حقا مع بكين، فلا ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا بأن هذا سيحدث عندما يكون لدينا دكتاتور شمولي تعهد في خطاب تنصيبه في عام 2013 بالقضاء على الرأسمالية من على وجه الأرض وفرض شكل من أشكال الاشتراكية على غرار الحزب الشيوعي الصيني». كما يقول مات بوتينجر، نائب مستشار الأمن القومي ومهندس السياسة الصينية في عهد الرئيس السابق ترامب.
بالمقابل يقول دا وي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تسينغهوا في بكين: «أصبح عام 2020 في الأساس أسوأ عام [في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين] على الأقل منذ عام 1979. أعتقد أن إدارة ترامب دعت في الأساس إلى نوع من سياسة تغيير النظام، ومهاجمة الرئيس شي نفسه والنظام السياسي».
إنما - سواء عبر المسؤولين أو عبر المستشارين - كل طرف يقول بصراحة واضحة إنه لا يربد تغيير النظام في البلد المنافس ولا محاولة التخريب ولا التدخل في شؤونه الداخلية!! وإذا كان الأمر كذلك فما هو الهدف النهائي من هذه الحرب الباردة؟ مجلة فورين بوليسي أصدرت ملفاً خاصا بذلك، وفي مقدمته أنه «عندما يتعلق الأمر بالصين، فإن الفكرة المنتشرة في واشنطن تؤكد وجود إجماع بين الحزبين: لقد أصبح الجميع تقريبًا من الصقور، ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية بسرعة، ظهرت خطوط صدع جديدة.. وأكبر نقطة خلاف هي الهدف النهائي الذي ينبغي أن تكون عليه سياسة أمريكا تجاه الصين.
يتفق الساسة الأمريكان من كلا الحزبين على العديد من الوصفات السياسية لمواجهة التهديد الصيني، من منع الواردات الصينية بجدار من التعريفات الجمركية إلى حرمان الصين من أشباه الموصلات التي يمكن أن تمنحها ميزة عسكرية.. ويزعم أنصار هذه الغاية النهائية أن أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني في عهد الرئيس شي جين بينج تتناقض مع أيديولوجية الولايات المتحدة، وأن تصرفات الحزب تهدد الولايات المتحدة ومصالحها بشكل متزايد، وبالتالي، يزعمون أن المنافسة مع الصين لن تُربح حقًا إلا بعد أن يفقد الحزب الشيوعي الصيني السلطة، أو على الأقل يفقد الإرادة والقدرة على تهديد الولايات المتحدة (ليلي بايك).
لكن هناك جمهوريون يحذرون من أن تحديد مثل هذا الهدف النهائي للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد خطير، فلا ينبغي تغيير النظام الصيني بالقوة، أو التخريب، أو التدخل المباشر.. بل ينبغي أن يكون الشعب الصيني هو الذي يقود التغيير من الداخل.. ليس من حقنا أن نقرر ما هي الوجهة التي ستتجه إليها بكين في شكل الحكم».
وقد سبق أن ذكرت استراتيجية إدارة ترامب الرسمية تجاه الصين صراحة أن تغيير النظام ليس هدفًا للولايات المتحدة، ولكن كما كتب كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جوش روجين عام 2021 عن مواجهة ترامب مع الصين، كانت هناك مجموعة صغيرة من «الصقور المتشددين» داخل الإدارة الذين «أرادوا تسريع سقوط الحزب الشيوعي الصيني».
ولكن كثيراً من الجمهوريين يناقشون فشل النظام باعتباره هدفا نهائيا؛ فقد زعم كوبر أن «واشنطن ينبغي لها أن تأمل في إضعاف أو تفكك القوة الصينية»، وهو ما ينسجم مع جورج كينان، الدبلوماسي الأميركي الشهير الذي صمم استراتيجية الاحتواء ضد الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة.. وفي رأي كوبر، بينما يحكم شي الصين، ينبغي للولايات المتحدة أن تنتظر حتى يضعف الحزب الشيوعي الصيني أو ينهار تحت وطأة عيوبه أو ضغوط الشعب الصيني.. ومع ذلك، فهو لا يستبعد إمكانية أن تلعب الولايات المتحدة دورا ما في «دفع الصين في اتجاه أفضل»، في المستقبل بعد حكم شي.
على النقيض، يتبنى السناتور جيم ريش، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وجهة نظر أكثر تحفظا بشأن الهدف النهائي المناسب في المنافسة، قائلاً: «من الواضح أنه في اليوتوبيا، سيكون الأمر هو جعل الصين دولة غير شيوعية.. لكن أعتقد أن هذه وجهة نظر غير واقعية، ولكن يتعين أن يكون الهدف النهائي هو أن يصل كل جانب إلى النقطة التي يقول فيها، يمكننا أن نتعايش مع هذا الوضع».
في نهاية المطاف، فإذا فاز الدمقراطيون في الانتخابات المقبلة فالمتوقع حسب فورين بوليسي أن تكون العلاقة تنافسية لسنوات قادمة، وحتى العقد المقبل؛ أما إذا فاز معسكر ترامب، سوف يتصارع الصقور بين الرغبة في استمرار الحالة التنافسية وبين من يرى التوجه إلى مزيد من صدامات الحرب الباردة، مع الخطر الكامن في أن تتحول هذه الحرب يومًا ما إلى حرب ساخنة.
«لا يتم غزو الحضارة العظيمة من الخارج حتى تدمر نفسها من الداخل» المؤرخ والفيلسوف ويليم ديورانت.