المستفيد معروف.. فتّش عن المتضرر!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد بن عيسى الكنعان
عادةً يُقال: «فتّش عن المستفيد»، في حال كان هناك جريمة غامضة يُراد كشف مرتكبها، أو قضية معقدة يُراد معرفة حلها، لكن حال واقعنا العربي ومحيطنا الإقليمي اليوم يتطلب أن نعكس المسألة، ونقول فتّش عن المتضرر، لأن المستفيد معروف! فمنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م، ثم كارثة العدوان البعثي على الكويت 1990م، ومرورًا بغزو أفغانستان 2001م، والعدوان على العراق 2003م، حتى مصائب ثورات ما يسمى بـ(الربيع العربي) 2011م وتداعياتها إلى يومنا هذا، حيث حرب غزة، والأوضاع الملتهبة في الساحة اللبنانية! مدة طويلة ساخنة تربو على 35 عامًا، فمن المتضرر؟
لا يمكن تحديد المتضرر إلا بمعرفة المستفيد، وهل هو مستفيد واحد أم أكثر من مستفيد! ورسم خطوط التقاطعات الحاصلة، وفي واقعنا العربي نجد الدول الداخلة بهذا الواقع والمؤثرة فيه متعددة، لكن أبرزها دولتان هما إيران وإسرائيل! لذا سيكون التركيز على طبيعة الصراع القائم بينهما، ومحاولة فك شفرة الأحداث الجارية، خاصةً أن أصحاب نظرية المؤامرة يرون هذا الصراع بكل مقدماته وإفرازاته وأحداثه مجرد (مسرحية مُتقنة) طُبخت في أقبية الاستخبارات، حتى لو سقط بعض قادة (حزب الله)، والحرس الثوري، وغيرهم ممن يحسب في الفلك الإيراني، وأن هذا الصراع - مهما بلغ - لن يرتقي إلى المواجهة المباشرة بين الجانبين. بينما على النقيض هناك من يرى هذا الصراع حربًا حقيقية، ودعمًا إيرانيًا لمحور المقاومة على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، فإيران مهما حصل لن تبيع (حزب الله) بهذه السهولة، وهي التي أسسته وصرفت عليه الأموال الطائلة، كما لن تتخلى عن الحركات الفلسطينية تعزيزًا لمركزها في الوسط السني الكبير. بين هذا المتفائل وذلك المتشكك يكمن أصحاب النظرة الواقعية التحليلية.
أصحاب هذه النظرة الواقعية يحاولون تحليل الواقع من حيث سلة المكاسب وحزمة الخسائر لكل طرف، بغض النظر عن توجهاته الحقيقية، وشعاراته البراقة، وتصاريحه ذات الاستهلاك الإعلامي، وهم بالمناسبة ليسوا خبراء عسكريين، ولا استشاريين استراتيجيين، ولا محللين سياسيين. لكنهم لا ينخدعون بألاعيب السياسة والتصريحات العنترية، لذا يرون هذا الصراع صراعًا طبيعيًا يحدث وحدث بين الدول على مدار التاريخ دون أن يتحول إلى حرب مباشرة، صراع تنافس وسباق استحواذ بين مشروعين، إسرائيلي (صهيوني)، وإيراني (صفوي) لاقتسام مصالح لهم في المنطقة العربية، ولكل مشروع أدواته التي يستخدمها تجاه الآخر لتحقيق مكاسبه، وتقليل خسائره، وإذا لزم الأمر التخادم بين المشروعين كي لا يفقدوا كل شيء. فالمشروع الإسرائيلي لا يؤمن بالسلام بدلالة فشل اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية، لأنها تريد أن تأخذ ولا تعطي، وكذلك رفضها لمشروع (حل الدولتين) الذي - وإن كان يُحقق لها الأمن - لكنه يرسم حدودها، ويوقف تمددها بالجغرافية العربية، ويقضي على حلم (إسرائيل الكبرى). وبالتالي ما زال الإنسان العربي متضررًا من إجرام إسرائيل وأعمالها الدموية، ويرزح تحت الاحتلال الجائر في فلسطين منذ أكثر 75 عامًا، والتهديد المستمر في لبنان وسوريا، ناهيك عن التدمير العمراني وقطع كل أسباب الحياة كما حدث في غزة، والضفة الغربية، وجنوب لبنان.
في المقابل؛ نجد المشروع الإيراني يرفع راية المقاومة لنصرة فلسطين ودعم لبنان، لكن هذا لم يمنع إيران من احتلال أربع عواصم عربية، فأدخلت دول هذه العواصم نفقًا مظلمًا، فلا حاضر تعيشه ولا مستقبل ترجوه. فقد تم تدمير بعض مدنها وخلخلة تركيبتها السكانية كما حدث في سوريا، وتعطيل التنمية وسرق خيراتها والعبث بأمنها كما في العراق واليمن، ومصادرة القرار السياسي من خلال عميلها (حزب الله) كما حدث في لبنان، ومن ثم نشر الخراب والقلاقل في المنطقة العربية تحت غطاء محور المقاومة وراياتها. وبالتالي المتضرر هو الإنسان العربي في العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، هذا الضرر الذي يصل إلى فقدان الحياة الكريمة لا يمكن أن يعوضه دعم إيران لـ(حماس) أو الجهاد الإسلامي في إطار دعم ما يسمى محور المقاومة. والمحصلة من توجهات المشروعين الصهيوني والصفوي وأعمالهما هو اقتسام مصالح في المنطقة العربية ونهب كثير من مقدراتها.
الخلاصة وباختصار أن هذا الطحن الذي يتم في منطقتنا الخاسر الأكبر فيه هم العرب، فلا تسأل من المستفيد!