من السفسطة إلى البروباغندا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله سليمان الطليان
في المعجم عرفت السفسطة بأنها: نوع من الاستدلال يقوم على الخداع والمغالطة، عبر قياس مركب من الوهميات الغرض منه إفحام الخصم وإسكاته. (يقال: سفسط الشَّخصُ غالط في جداله وأتى بحكمة مضلِّلة، جادل بالخطأ والتضليل). وهي ذات منشأ يوناني.
كان هذا في الماضي، وقد ارتبط بنشر الخرافات والأساطير كثيراً بسبب ضعف تعليم وثقافة المتلقي التي استغلت إلى حد كبير في السيطرة على العقول وتوجيهها عبر خطاب أو كتاب، ومع مرور الزمن والتطور الإعلامي انتقلنا إلى مرحلة اخرى يمكن أن نقول إنها زادت من التأثير بأساليب مختلفة شملت جوانب سياسية واقتصادية وعسكرية وكذلك دينية وهي (البروباغندا) أسسها إدورد بيرنيز ولد سنة 1891 وتوفي سنة 1995 وهو نمساوي أمريكي يعتبر منشئ ما يُسمى العلاقات العامة، الدعاية أو (البروباغندا) وهي في معنى مبسط، عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقي المستهدف. كثيراً ما تعتمد الدعاية على إعطاء معلومات ناقصة، وتقديم معلومات كاذبة عن طريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، وهي تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفياً عوضاً عن الرد بعقلانية. فهي سياسياً تعني الترويج واقتصادياً تعني الدعاية ودينياً تعني التبشير. بمنظور آخر الدعاية تعني الكذب المتعمد الذي يهدف إلى التسفيه.
ومروراً بالعهد النازي الألماني وكذلك الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق ومعه دول أوروبا الشرقية كانت هناك دعائيات متبادلة عبر الإذاعات والتلفزيون والسينما بينها وبين الدول الغربية على نحو كبير، استغلت هذه الدعاية في الدعم الحربي وكذلك نشر الأفكار الموجهة التي عادة ما تكون غير صحيحة فقط يبقى الهدف هو السيطرة على العقول واستمالتها وزرع الخوف والذعر لديها أحياناً ولعل من برز في هذا هو السياسي الألماني (بول غوبلز) وزير الدعاية في العهد النازي) الذي كان بارعًا بشكل خاص في استخدام وسائل الإعلام الجديدة نسبيًا للإذاعة والأفلام لأغراض الدعاية.
وإلى يومنا هذا ما زالت الدعاية المعاصرة تستغل التقنيات الحديثة للتأثير في الرأي العام وتوجيه أفكار وقرارات الناس السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، وذلك باستخدام تقنيات وأساليب سيكولوجية عديدة من أهمها: القولبة والتنميط وتسمية الأشياء بغير مسمياتها وأيضاً إطلاق الشعارات والاعتماد على الأرقام والإحصاءات ونتائج الاستفتاء والاستفادة من الشخصيات اللامعة والتظاهر بمنح فرص الحوار والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات.
أخيراً سوف أذكر مثالاً حياً على أن الدعاية ما زالت حاضرة وهذا ما ذكره الصحفي الأسترالي انتوني لونشتاين في كتابة (رأسمالية الكوارث) الذي قال (لقد استعان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشركة (كروسبي تكستور Crosby Textor) الأسترالية لاستطلاعات الرأي طلباً للمشورة، وهي شركة مشهورة بتأجيج التوترات العرقية في السعي إلى السلطة السياسية، حيث كان المحافظون قد باتوا أكثر جرأة، وبطريقة وقحة، في جهودهم الرامية إلى دهم المهاجرين وتضييق الخناق عليهم. ذلك أن وجود عربات «إنفاذ الهجرة» وهي تجوب شوارع لندن كان من بنات أفكار (كروسبي تكستور) وهي كانت تهدف إلى إرسال إشارة قوية تحذِّر من أخطار ملموسة يتعرض لها الأمن العام. كما كان إرسال وزارة الداخلية شاحنات الهجرة التي كانت تحمل عبارة عودوا إلى أوطانكم فكرة أخرى من أفكار هذه الشركة. فقد كانت هذه المركبات تحمل ملصقات كبيرة تحتوي على رسالة ورقم هاتف، إضافة إلى صورة لزوج من الأصفاد، وتقول الرسالة: (هل أنت موجود في المملكة المتحدة بنحو غير قانوني؟ عد إلى وطنك أو واجه الاعتقال). وذكرت وزارة الداخلية أن موظفيها ردوا بعد ذلك على أعداد لا تُحصى من المكالمات الهاتفية الزائفة).