جريدة الجرائد

السيرة.. أدب أم تاريخ؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ربما من الأيسر التفريق بين الرواية والتاريخ، حتى لو قاربت الرواية أحداثاً تاريخية معينة، كون المؤرخ يتوخى تدوين الوقائع الفعلية التي جرت كما هي دون إضافات من خياله، أما الأدب فينطلق من قاعدة مختلفة، فهو ليس مضطراً لأن يحكي وقائع التاريخ كما جرت فعلياً، وإنما يتوسل الخيال في إعادة بناء تلك الوقائع، ما يحتمل ابتكار شخصيات متخيلة، حتى لو بدت في الرواية فعلية، لكنها ليست كذلك.

وما يقال عن الشخصيات يقال عن الوقائع والأحداث، فالروائي غير ملزم بتتبع مسار ما جرى، وليس مقيداً بوقائع فعلية عليه تدوينها كما جرت، وإنما اجتراح مسارات مختلفة للحدث التاريخي، سواء في البداية أو في الخاتمة. وقد يعاب على رواية ما أن كاتبها لم يأت بجديد، فروايته لا تختلف عما كتبه المؤرخون، حتى لو صاغها بأسلوبه الأدبي.

إذا كان ذلك أيسر، فإن الأصعب هو الخانة التي علينا أن نضع فيها فن السيرة، أكانت سيرة ذاتية أم غيرية، فردية أم جماعية، أهي أدب أم تأريخ؛ كون السيرة أيضاً تدويناً لوقائع وأحداث مرّ عليها من تدور السيرة حوله، أكان هو كاتبها أم تولى شخص آخر سواه كتابتها عنه، وبالتالي فإنها تنطوي على أوجه شبه كبيرة مع التاريخ، فهي لا تتخيل أحداثاً لم تقع، ولا تبني شخصيات وهمية لتجعل منها فعلية، وإنما هي، كما التاريخ، تدوّن ما جرى، أفلا يجوز، والأمر كذلك، أن ندخلها في سياق التاريخ لا سياق الأدب مثلاً؟

جرى النظر طويلاً إلى السيرة بوصفها ضرباً من التاريخ، خاصة إذا دار الحديث عن نوع من السيرة هو مذكرات أو يوميات الشخصيات المؤثرة، التي تُكتب من أجل توثيق الوقائع أو الأحداث، لا التعبير عن الأفكار أو المشاعر، وهذا ما كان سائداً قبل أن تنحو المدرسة الرومانسية في الأدب لإيلاء اهتمام أكبر بالفرد، وتركز على المشاعر والعواطف، على نحو ما يشير الكاتب خالد طحطح في كتابه &"البيوغرافيا والتاريخ&"، وبالنتيجة بدأت السيرة تنأى بعض الشيء عن حقل التاريخ وتقترب من حقل الأدب.

ففي السيرة الذاتية أو الغيرية المكتوبة بروح الأديب ونَفَسه، نحن لا نتتبع وقائع جرت فعلياً فقط، وإنما نعاين مشاعر من يدور عنه الحديث في تلك السيرة، حيرته أو ثقته، قوته أو ضعفه، فرحه أو حزنه، وهي عادة مشاعر لا يأبه بها المؤرخ كثيراً، وهو يدوّن أو يعيد تدوين ما جرى من أحداث، فيما يجد كاتب السيرة نفسه منصرفاً، ربما بشكل تلقائي، إلى نوع من المونولوج الذي عبره يفصح عن مشاعره وتأملاته الوجدانية أو حتى الفلسفية وهو يحكي عبوره على محطات الحياة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف