جريدة الجرائد

حرب تدمير التاريخ

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تزداد الحرب الإسرائيلية على لبنان وحشية. تتنقل مجازرها من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى بلدة ومن حيّ إلى آخر ولا تستثني الطرق والسيارات العابرة. تتصاعد الغارات وتشتد عنفاً كلما أعلن عن جولة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين في المنطقة أو عن مبادرة ما سعياً الى تسوية توقف هذا الطغيان المتفلت وغير المسبوق لآلة الحرب. لا تزال الزمرة الحاكمة في تل أبيب تصم آذانها عن أي مسعى لوقف إطلاق النار ويقف العالم كله عاجزاً أمام عناد بنيامين نتنياهو الممعن في سفح الدم اللبناني، والفلسطيني في غزة. تدرجت الحرب الإسرائيلية في عنفها تزامناً مع حرب نفسية وإعلامية حتى تخطت كل الخطوط الحمر الأميركية وغير الأميركية. آلة حرب مستنفرة ليل نهار، تعمل تدميراً وقتلاً من خط الحدود مع لبنان إلى بيروت والبقاع. المشاهد مروّعة، لكنها تكاد تكون أصبحت معتادة، فبعد أكثر من عام على المجزرة المتمادية في غزة تحت أنظار العالم المتفرج، يشاهد العالم كله الحرب على لبنان وكأنها فيلم "أكشن" سينمائي ترويجي للقوة الإسرائيلية وللسلاح الأميركي الذي لا نظير له في القدرة التدميرية القاتلة الهائلة. هي حرب انتقام من البشر ومن الحجر، لكن أيضاً، وبشكل خاص، حرب انتقام من التاريخ وتدمير له. كأن اسرائيل تعاقب لبنان، كل لبنان، دفعة واحدة ومرة واحدة. تريد أن تزيل هذه "الأسطورة" بكل مقومات ماضيها وحاضرها ومستقبلها. ليست حرباً على "حزب الله" وحده ولا على بيئته وحدها. هي حرب على كل شيء جميل في البلد وعلى ذاكرة اللبنانيين عموماً. تدمّر إسرائيل بيوت الفقراء القديمة والمباني الحديثة العصرية، تستهدف الجوامع والكنائس وتختار الأحياء والأسواق التراثية أهدافاً لصواريخها وقنابلها، في النبطية وصور وبعلبك وفي معظم القرى الجنوبية والبقاعية، تزيل من الوجود كل التاريخ المتوارث لأبناء الجنوب والبقاع بكل طوائفهم وللبنانيين عموماً. لا تريد لمن يتبقى من الجنوبيين والبقاعيين أن يتذكر. لكن على الأرجح أنها لا تدرك بعد أن ذاكرة هؤلاء الناس موغلة في العمق وأنهم لا ينسون. وفيما اللبنانيون غارقون، أما في دمهم، وإما في لملمة ما يمكن لملمته لمتابعة حياتهم بأقل ما يمكن من امكانات، ينتبه عالم الثقافة في الخارج الى حجم الخطر الكبير الذي يهدد التراث الانساني في لبنان. يخاف العالم على صور  التاريخية، ويخاف خصوصاً على بعلبك التي هدمت الغارات جانباً من جدار مدخل قلعتها، القلعة النادرة التي تعتبر واحدة من أهم الآثار الرومانية في العالم كله. وليس تفضيلاً أن يخرج وزير الثقافة الفرنسي السابق رئيس معهد العالم العربي في باريس جاك لانغ بنداء قوي الى العالم يناشده فيه العمل بسرعة وجدية على وقف العدوان على المدينة وتراثها الذي يعتبر إرثاً عالمياً يتوجب على الجميع حمايته.ليست صور مدينة عادية على الإطلاق، ولا بعلبك مدينة لبنانية حصراً، لمن لا يعلم، بعلبك في العالم هي رمز لبنان الأشهر، العالم كله يعرف بعلبك وأعمدتها الستة ويدرك قيمتها الحقيقية، ربما أكثر من اللبنانيين أنفسهم. ولهذا تصر اسرائيل على تدمير المدينة وضرب هويتها عبر ضرب أسواقها التاريخية ومعالمها السياحية والاقتراب من ضرب قلعتها التي هي قلعة اللبنانيين جميعاً. بعد تدمير سوق النبطية ومقام النبي بنيامين في محيبيب وتدمير المعابد في كثير من قرى الجنوب وتهديد آثار صور وقلعة بعلبك، أصبح العالم كله بمنظماته كافة، لا سيما الاونيسكو، مسؤولاً عن حماية بعلبك وصور وغيرهما.ستكشف الأيام مدى الضرر الذي لحق ببعلبك وتراثها، تعتدي اسرائيل على بعلبك كأنها بلدة مواجهة على الحدود فتقصفها يومياً، بإنذار وبغير إنذار، لا لشيء إلا للانتقام. الانتقام من التاريخ في المقام الأول.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف