أنا وحريات الهند والصين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أنا أؤمن بالحرية المطلقة للإنسان، في حدود القانون، وهذا يتطلب معرفته والإلمام ببنوده بشكل كافٍ، ومعرفة ما هو غير مسموح القيام به أو قوله، وبالتالي لا تنفع الحرية المطلقة المجتمعات غير المتعلمة ولا غير المثقفة بما يكفي. فالحرية بحاجة إلى درجة ثقافة كافية لكي لا يساء استغلالها أو فهمها. والحرية الشخصية هي عماد كل تقدم واستقرار وإبداع، ولا يعني ذلك أنها تجلب الأمن والرخاء بالضرورة، إلا أنها أساسية لسعادة الفرد أكثر من أمور كثيرة مجتمعة. فلو أعطي السجين مثلاً الحق في أن يختار بين مزايا مادية ومعنوية عديدة، وبين الحرية، فغالباً سيختار الحرية، إلا من لم يعرف يوماً معناها الحقيقي. ففي أنظمة الرق، والأنظمة الشيوعية، لم يكن المحكوم أو المملوك يعرف معنى الحرية، بالمفهوم العام الحالي، فكثيراً من العبيد، في أمريكا وحتى في الخليج، رفضوا قرارات عتقهم، واستمروا في العيش في كنف الأسرة، التي كانت تمتلك مصيرهم، وسُمُّوا تالياً باسمها، فهذا ما عرفوه، وارتاحوا له، طوال حياتهم.
قد يجد البعض أن ما ينطبق على دول العالم، ونحن منها، لم ينطبق يوماً على دولة كالصين، حيث يحكمها حزب شيوعي، لكن شعبها يبدع وينتج ويخترع! تناسى هؤلاء أن الصين بقيت لنصف قرن تقريباً دولة متخلفة، ولم تنهض وتلحق بالدول الصناعية المتقدمة إلا في السنوات الثلاثين الماضية، عندما اعتمد الحزب الحاكم الانفتاح على الغرب، وتطبيق الحريات الاقتصادية، والتخلّي عن التشدد، فظهر إبداع الفرد الصيني مع كل ارتفاع في هامش الحرية. وقد قمت، خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، بعدة زيارات للصين، وتعاملت معهم تجارياً، وكنت ألاحظ ذلك التقدم بكل وضوح.
كما أن ديموقراطية الشعب الألماني هي التي جاءت بالحزب النازي للحكم في ثلاثينيات القرن الماضي، وعن طريق الآلية نفسها قام الشعب باختيار المستشار أديناور، ليحقق له المعجزة الألمانية. فهذا مآل الدول الحرة والمتقدمة.
قد لا تكون الديموقراطية صالحة لكل زمان ومكان لهذه الدولة أو تلك بسبب ظروف معينة، لكنها، بشكل عام، صالحة لكل زمان ومكان. فأية رفاهية تأتي بها الأنظمة الديموقراطية، يمكن أن تختفي مع استمرار غياب الحرية، فالناس لا يكتفون بعد فترة بالأمور المادية، بل سيبدون مللهم من الوضع، ويتوقون لحرية القول والحركة والتفكير والتصرف، وتجربة الاتحاد السوفيتي، ودول الكتلة السوفيتية خير مثال.
ولو نظرنا لتجربة الهند، التي كانت لعقود الدولة الأكثر فقرا والأكثر كثافة سكانيا في العالم، لوجدنا أنها صبرت لأكثر من نصف قرن إلى أن آتت ديموقراطيتها أُكلها، وأصبحت مصدر قوتها وازدهارها، والدولة الأسرع نموا في العالم، بعد أن نجحت في توفير الأمن والرفاهية، لقطاعات كبيرة من شعبها، من دون أن تضحي بديموقراطيتها، التي لولاها لما تقدمت ولما حققت النجاح تلو الآخر.
ونرى من جانب آخر أن الشعوب المشحونة بالحقد والعنصرية والمناطقية والجهل والحروب، خاصة لأسباب دينية، محكوم عليها بالتخلف، والفقر والمرض، على الرغم من غناها بالأموال والثروات الطبيعية.
الإنسان هو الاستثمار الناجح، وليس الثروات في باطن الأرض ولا الصناعة ولا أي شيء آخر. فالإنسان لا يمكن أن ينتج ويبدع بغير حرية. وهذا ما نتمنى على أعضاء اللجنة، التي سيناط بها أمر تعديل بعض مواد الدستور، إعطاءه الأهمية القصوى.
أحمد الصراف