العلاقات السعودية/ الأمريكية والشراكة الإستراتيجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله الزازان
تعود العلاقات السعودية - الأمريكية إلى الثلث الأول من القرن العشرين، وهي علاقة قديمة وعريقة، تقوم على الترابط التاريخي، والشراكة الإستراتيجية الكاملة، في ضوء انتماء كل من البلدين إلى حضارته واحترام كل منهما لتراثه الثقافي والفكري، وخياراته الحضارية والإستراتيجية. فالمملكة تاريخيًا شريك إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي شراكة تقوم على التوازن والاعتراف المتبادل بين البلدين بأهمية الآخر وكونه شريكًا أساسيًا، لا بد من أخذ وجهة نظره باهتمام كبير في أي مسعى سياسي أو إستراتيجي إقليمي وعالمي. وقد استفادت المملكة من علاقتها وصداقتها الطويلة مع الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير مواردها الذاتية، وترسيخ بنيتها الاقتصادية وتدعيم إمكاناتها الدفاعية. وهذه العلاقة الثنائية على مستواها الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والإستراتيجي في تصاعد قوي منذ أول لقاء بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945 وإلى اليوم، وذلك فيما يتعلق بلقاءات القمة والعلاقات الدبلوماسية على مستوى السفارات والمبعوثين الخاصين، والعلاقات شبه الدبلوماسية التي يخلقها جو التبادل التجاري، والعلاقات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والتدريبية والإستراتيجية. وهي علاقة تتسم بالتفاعل، في ضوء معطيات موضوعية تحدد سياسة كل من الدولتين، والتي على ضوء مصلحتهما السياسية والاقتصادية والإستراتيجية العليا تترتب جميع مظاهر العلاقة، إذ لم تكن هذه العلاقة هبة من أحد الطرفين للآخر، بقدر ما كانت وليدة رغبة مشتركة، وتحليل منطقي لمصالح الطرفين. ولذلك فالولايات المتحدة تدرك حجم ودور المملكة الحقيقي كدولة قائدة ومحورية تتمتع بثقل واستقرار اقتصادي وسياسي ودبلوماسي وإستراتيجي على مستوى العالم ومكانة قيادية على مستوى العالم العربي والإسلامي، وهذا لم يكن قصاری وحجم دور المملكة فهي على ساحة الاقتصاد العالمي (الطاقة) العضو الأكبر بحكم حجم الإنتاج، وأحد أكبر الأعضاء الفاعلين في منظمة التجارة العالمية وأحد الأعضاء الكبار في مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى، وقبل ذلك أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة. ومع إطلالة هذه المرحلة الجديدة أخذت العلاقات السعودية - الأمريكية أشكالًا جديدة أملتها الأوضاع العالمية والمتغيرات السياسية في العالم وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط ومن هنا أخذت العلاقات السعودية - الأمريكية شكلًا جديدًا يعد فيه كل من الطرفين الطرف الآخر شريكًا أساسيًا. فالمملكة في جميع خطواتها السياسية والدبلوماسية والإستراتيجية - ذات سيادة ورؤية واضحة - تنطلق من معرفتها بما تريد هي لا من إدراكها لما يريد الآخرون وإن كانت معرفتها بمواقف الآخرين جزءًا من انتهاجها لسياسة الحوار لكي تتوفر المعرفة المتبادلة بضرورة السعي نحو تقريب وجهات النظر. المملكة في جميع علاقاتها تنطلق من مصلحتها الوطنية والتي على ضوئها تترتب مظاهر سلوكها السياسي والدبلوماسي والإستراتيجي وقد شاء الله أن يكون قدرها أن تحمل مع تطلعاتها الوطنية المشروعة هموم المنطقة بأسرها وهي منطقة استراتيجية ذات أهمية قصوى للعالم بأسره وأن تشارك أكثر من غيرها في التصدي لمشكلات كثيرة وقد تقبلت هذا القدر بروح المسؤولية من منطلق معرفتها بحجمها الدولي كقوة فاعلة في المسرح العالمي، حيث تؤمن بالاعتدال والاستقلالية في الرأي وإشاعة السلام وتوطيد السلم. فالتوازن الدقيق الذي أقرته سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - هو أن تحرص الدولة على رعاية مصالحها الوطنية ومكانتها القيادية في العالمين العربي والإسلامي ودورها الإقليمي والعالمي وهذا التوازن الدقيق سمة لسياسة المملكة الخارجية. واليوم المتغيرات السياسية العالمية استدعت دخول المملكة كبلد رئيس في ساحة الأحداث العالمية مستخدمة ثقلها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والإستراتيجي إقليميًا وعالميًا من أجل الوصول إلى مشروعات حلول عادلة وسلمية وذلك بما تتمتع به من حكمة وحنكة ونظرة واسعة ومتسامحة بحيث أصبحت كيانًا يجمع وبلدًا يوحد وقوة تعزز وتدعم الحق وتقف إلى جانب المبادئ الإنسانية، وذلك من خلال تفعيل الدبلوماسية على أعلى المستويات، سعيًا وراء إقرار السلام واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعود الى قوة النموذج السعودي، اقتصاديًا وسياسيًا ودبلوماسيًا واستراتيجيًا، في حفاظه على مصالح المملكة الحيوية، والمصالح الإقليمية والعالمية. كل هذه المرتكزات الموضوعية جعلت من العلاقات السعودية - الأمريكية نسيجًا متلاحمًا لا يمكن أن ينظر إليه من خلال الزاوية الاقتصادية وحدها، فالموضوعية ومواجهة الحقائق والتوازن سمة سياسة المملكة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى العالمية والسمة الأخرى في العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية هي الندية بحيث إن بلادنا بقدر كونها استفادت من علاقتها مع الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة استفادت بصورة مباشرة أو غير مباشرة من العلاقات الاقتصادية السعودية الأمريكية ويعتبر حجم التبادل التجاري السعودي الأمريكي دليلا على أن التجارة السعودية تلعب دورًا قويًا في الاقتصاد الأمريكي.