جريدة الجرائد

إلى أين وصل المؤثرون الافتراضيون؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالرحمن الحبيب

إنها شخصيات تعطي انطباعا بأنهم مؤثرون حقيقيون يعيشون أسلوب حياة مبهر يلفت الأنظار، وربما يستحق الاقتداء لدى بعضهم، مما يثير شهية المعلنين لتسويق العلامات التجارية حسب شخصية كل مؤثر التي قد تكون معنية بالأناقة أو الأغذية أو اللياقة البدنية أو الإكسسوارات.. إلخ، خذ مثلاً، أيتانا لوبيز التي بهذه الأيام تعد من الأكثر شهرة في موجة جديدة من المؤثرين الافتراضيين الذي ابتدعها الذكاء الاصطناعي التوليدي العام الماضي، لتظهر كشابة حيوية نشطة تمارس الرياضة وعارضة أزياء بالعشرينات من عمرها ولديها جسد مثالي، وتتحرك على غرار نجوم هوليوود، جاذبة أكثر من 330 ألف متابع على منصة إنستغرام..

الأساس في المؤثرين الاجتماعيين أنهم يسعون في أسلوب حياة معين لإلهام جماهير متنوعة من خلال النشر عن حياتهم اليومية واهتماماتهم وأذواقهم، والتعرف على متابعيهم عن قرب.. وهنا تأتي أيتانا لوبيز لتكسب آلاف الدولارات شهرياً من العلامات التجارية لصالح مبتكريها بوكالة الإعلانات الإسبانية «كلولس»، حيث تقول صوفيا نوفاليس من الوكالة: «نعتزم دائما محاولة جعلها مشابهة لما يفعله المؤثرون الحقيقيون.. إن نجاح أيتانا لا يرجع فقط إلى الصور الواقعية، ولكن أيضا إلى القصص والتعليقات التوضيحية.»

الآن يظهر مؤثرون بأسماء وهويات ولهجات كالبشر الحقيقيين، فمثلاً بالتأثير عبر الجاذبية بالأناقة تأتي إيما (Imma) عارضة أزياء تم إنشاؤها بواسطة شركة يابانية (Modeling Cafe)، فجاذبيتها بسبب قصة شعرها الأنيقة وأزيائها المميزة، وظهرت في العديد من المقالات حول صعود المؤثرين الافتراضيين.. أما أكثر المؤثرين الافتراضيين إثارة للجدل فاسمها برمودا (Bermuda)، كانت للطرافة تعتبر من المؤيدين لترامب ولكنها غيرت وجهة نظرها السياسية منذ فترة مثلما يتغير البشر الحقيقيون! وقد تم إنشاؤها بواسطة Cain Intelligence، رواد التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.

أول عارضة أزياء رقمية بالعالم هي شودو غرام (Shudu Gram)، تم إنشاؤها في إبريل 2017 من قِبل مصور الأزياء كاميرون جيمس ويلسون، وظلت لفترة غير معروفة هل هي حقيقية أم افتراضية، ومظهرها مستمد إلى حد كبير من دمية باربي «أميرة جنوب إفريقيا»، مما أثار جدلًا حيث تم تصوير شودو على أنها امرأة سوداء من قبل رجل أبيض!

إذن، يتنامى حالياً المزيد من عارضات الأزياء الافتراضيات ومن غيرهن من المؤثرين في مجالات مختلفة، لكن يبدو أن هذه الشهرة لم تصل بعد لمنافسة المؤثرين الحقيقيين من البشر، إلا إذا تمكنت الشخصية الافتراضية من إقناع الجمهور بأنها حقيقية رغم أنه أحياناً يصعب تفريقها عن البشر الطبيعيين، لكن من عيوبها عدم ارتياح الجمهور لمؤثرين وهميين يظهرون بمظهر البشر، مما يثير تساؤلات حول المصداقية والأصالة، فضلاً عن إمكانية حدوث مشكلات قانونية وأخلاقية بالمستقبل، فالرسالة التي ترسلها الشخصيات الافتراضية للفتيات الصغيرات هي تحت رعاية من العلامات التجارية الرياضية وشركات المواد الغذائية، لكنها غير موجودة في العالم الواقعي.

لذا، يرى بعض النقاد إن العارضات يرسلن رسالة سيئة للفتيات والفتيان الصغار، فمثلاً المؤثرة الأمريكية داناي ميرسر، تقول: «أرى مشكلات ضخمة مع صعود عارضات الأزياء والمؤثرين في مجال الذكاء الاصطناعي... أعتقد أنهم يضعون معياراً غير واقعي للجمال، رغم أنه قريباً من كونه حقيقيا، لدرجة أن الكثير من الأشخاص الذين يتابعونهم لا يدركون أنهم ليسوا حقيقيين، وخاصة المراهقين والمراهقات». لكن المدافعين يرون أن ذلك لا يختلف عما نراه من عارضات الأزياء المؤثرات الحقيقيات باستخدام الفلتر وتقنيات تعديل الصور.

لكن ثمة منافع للمعلنين، فإذا كان المؤثرون البشر على شبكات التواصل الاجتماعي يتأخرون ويخطئون ويمرضون ويشيخون ويطالبون بزيادة أسعارهم، فإن المؤثرين الافتراضيين أجهزة جاهزة على مدار الساعة طوع الأمر حسب ضغطة زر من يقومون بإنتاجها على شبكات التواصل مثل انستجرام وفيسبوك وتيك توك.. لذا، تقوم فرق الذكاء الاصطناعي وخبراء التسويق بتصنيع شخصيات ذات هوية وسلوك ومزاج وصفات معينة لتحقيق أفضل جذب للمستهلكين. ورغم أن المؤثرين الافتراضيين هم «أشخاص» خياليون، لكنهم قد أصبحوا قوة حقيقية لا يستهان بها في صناعة التسويق المؤثر، مع تنامي المزيد منهم مع تبني العلامات التجارية لهم. لقد وصل بالفعل بعض أشهر المؤثرين الافتراضيين إلى أكثر من مليون متابع حيث يتزايد عدد الناس بجميع أنحاء العالم بالافتتان بـ«حياتهم».

ومن أشهر الشخصيات الخيالية ميكيلا سوزا (Miquela Sousa)، كان اسمها «ليل ميكيلا»، وهي نصف أمريكية برازيلية تبلغ من العمر 19 عامًا ولديها أكثر من 3 ملايين متابع على انستجرام. وهي تشارك جمهورها بأحدث الإطلالات العصرية بالإضافة إلى الموسيقى الجديدة التي أصدرتها، فقد شهد الصيف الفائت إصدارها أغنية فردية. وسبق أن تعاونت أيضًا مع سامسونج كجزء من حملة لعام 2019، وتعاونت مع عارضة الأزياء النجمة الواقعية بيلا حديد في إعلان كالفن كلاين، كما تم إدراجها ضمن «الأشخاص الأكثر تأثيرًا على الإنترنت» في صحيفة التايمز عام 2018.

إذا كان المؤثرون الاجتماعيون في وسائل التواصل الاجتماعي قد أزاحوا نسبة كبيرة من مشاهير ونجوم الفن والأدب والصحافة، فها هم المؤثرون الافتراضيون ربما يستعدون لإزاحة المؤثرين من البشر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف