كرموا أمهاتنا المتميزات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد المغلوث
رحم الله أمهاتنا اللواتي ما زالت ذكراهن خالدة في ذاكرتنا التي لا تنسى، ما زلت أذكر والدتي «شيخة». وكانت اسماً على مسمى، مع أن بيتنا يعد في ذلك الزمن من البيوت الكبيرة، حيث يحتل الرواق مساحة ممتدة من دهليز البيت إلى الموقد، حيث يزدان بعدد كبير من الدلال، الرسلان، الأباريق، أواني حفظ القهوة والشاي، وعلب خاصة بالسكر. وتتمترس مطحنة القهوة اليدوية على الوجاق وكانت والدتي تبدأ منذ ساعات الصباح الأولي لتقوم بعد صلاة الفجر بتحضير وجبة الإفطار بدءاً بحلب الماعز وتسخين الحليب وتجهيزه في «. «. وبعدها توقظنا للصلاة والإفطار، والاستحمام داخل «جليب» البيت وهي -رحمها الله- تقوم بالاهتمام بكل واحد منا، الكبير منّا يقوم بالاغتسال والعناية بنفسه، فهو يجلس وسط «الطشت»، ويفتح «ولف» خزان مياه الجليب الصغير الذي قامت الوالدة -رحمها الله- بتعبئته من عصر اليوم السابق، بعدما قامت بسحب الماء من الجليب من خلال «الدلو»، أكتب ذلك وذاكرتي الفاكرة تعود بي إلى إلى ما قبل أكثر من 70 سنة أو أكثر، كنا أيامها أولادا صغارا وعلمتنا والدتي كيف نعتمد على أنفسنا في الاغتسال. وبعد أن ننتهي من الاستحمام نقوم بارتداء ثيابنا التي قامت شقيقتنا أم محمد قبل زواجها -رحمها الله- بغسلها في طشت الغسيل في عصر اليوم السابق، وبعد جفافها تقوم بكيها بالمكوى بعد وصول الكهرباء إلى بيوت المدينة. وبعد ذلك تقوم بإعداد فطورنا وخلال ذلك سرعان ما يصل صبي «الخباز» الذي يعلن عن وصوله بقرع حلقة الباب النحاسية ذات الصدى المميز والمسموع عدة مرات وليتركه بعدها على عتبة الباب متوجها لبيوت أخرى لتسليمهم خبزهم. وفطورنا عادة ولله الحمد يتكون من الحليب وحلوى «الطحينية» أو الحساوية التي تشبه العمانية وأحيانا الشكشوكة، عندما تجود علينا دجاجاتنا ببيضها ونسبة من مكونات سفرة الإفطار إنتاج البيت وهذا هو السائد لدي بيوت المدينة أيام زمان حسب ظروفهم وإمكاناتهم الاقتصادية والحياتية. ومن حسن الحظ بيتنا لا يبعد إلا مسافة قصيرة عن المدرسة الأولى بالمبرز وتقع جنوب القيصرية. وما زلت أذكر مديرها الفاره الطول والأبيض البشرة صاحب الابتسامة الدائمة التي لا تنسى، إنه الأستاذ الفاضل عبدالله الشعيبي مدير المدرسة -رحمه الله- وكان من رواد التعليم. لقد ترك في نفوس كل من درس في هذه المدرسة الرائدة والمتميزة بساحتها الواسعة أثرا خالدا في نفوس وقلوب طلابها حتى اليومما زلت أذكر وقفته في رواق المدرسة في منتصف اليوم الدراسي وقت توزيع الحليب والخبز الحساوي الذي يأتي في مراحل ومغطى بالخيش النظيف الذي سبق غسله والجميل حسب ما عرفت أيامها أن كميات هذا الخبز يتم توفيرها من مخبزين متخصصين في إنتاجه. هما مخبز الشعلان ومخبز الضمن، وكلاهما بالقرب من المدرسة، كانت عيناه تطالع عن بعد وحزم انتظام توزيع نصيب كل طالب من الخبز والحليب، فكانت المدرسة مثلها مثل كل المدارس يوجد فيها طلاب يغافلون المراقبين والمدير ويغيرون من مواقعهم ليأخذ حصة من الخبز.. كانت المدرسة تتسم بإدارة حازمة تؤدي رسالة تربوية وتعليمية ما زال يذكرها الذاكرون وكانت العلاقة ما بين الإدارة والطلاب تتميز بالاحترام والتقدير والالتزام والاستماع. وكان الكثيرون منا ملتزمين بتلك الكلمات التي حفظناها عن ظهر قلب والتي ألفها أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله:
قم للمعلم وفه للتبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا..!
وماذا بعد؟ كانت أمهاتنا جميعا وراء نجاحنا، فالآباء كانوا مشغولين في أعمالهم خارج المنطقة أو في أعمالهم الخاصة، فالأمهات يقع عليهن العبء الأكبر. فمن هنا وجب علينا وعلى مدى العمر تقديرهن والاحتفاء بهن، وكم تمنيت من جمعيات الخير النسائية في وطننا أن تختار كل عام. 10 جوائز ثمينة توزع بعدالة وبعيدا عن المجاملات. تمنح لكل أم استطاعت أن تعنى بتربية أبنائها وبناتها. رغم كونها ملتزمة بمسؤولياتها في عملها أو حتى في حياتها الخاصة، فهل تحقق ذلك؟ هذا ما أتمناه ويتمناه كل مواطن أبدعت والدته في تحقيق التميز لأسرتها.