جريدة الجرائد

البيانات.. نفط المستقبل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تردد هذا العنوان على لسان أكثر من عالم من علماء الذكاء الاصطناعي.. وشهد التقدم التكنولوجي في كل المجالات تركيزاً على ما يسمى علم البيانات، وهو ليس بالجديد، ولكن التضخم الذي واكب التقدم التكنولوجي أثّر في هذا العلم خاصة في السنوات الأخيرة، حيث شهدنا الاهتمام البالغ الذي توليه شركات التكنولوجيا لهذا التدفق الضخم من كثرة وتنوع البيانات ما جعل الكثير من الكُتاب والمُحللين يتساءلون عن السبب؟ إذ يبدو أن طفرة الذكاء الاصطناعي حملت معها تغيرات كبيرة في الكثير المفاهيم القديمة ومنها البيانات، لتجعلها ذات قيمة تعادل الثروة النفطية.. وهذا ما أثار موجة من التنافس الحاد بين الشركات لجمع أكبر قدر من (الداتا).. ودفع الكثيرين للتساؤل عما وراء هذه الثروة التي يطمح الجميع إلى التمكن منها؟
تعود تسمية البيانات بالنفط الجديد إلى العالم البريطاني (كلايف هامبي).. وهو أول من استعمل عبارة &"البيانات نفط المستقبل&" عام 2006 وأكد في تصريح له أن البيانات ستكون المورد الأساسي لدفع الاقتصاد إلى الأمام على مدى العقود المقبلة، لكنه يؤكد أن البيانات تحتاج إلى أكثر من جمعها فلا بد من تفكيكها وتحليلها حتى تصبح ذات قيمة. والحقيقة أن الاهتمام بالبيانات بدأ منذ الثمانينات لكنه أصبح ضخماً مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ليصبح مثار اهتمام الطامحين للتحّكم في الأسواق التجارية، إذ مع تضخم البيانات وُجدت الحاجة إلى تخزينها ومن ثم اختراع خوارزميات تجميعها وتحليلها، وهذا ما جعلها تتبوّأ مكانتها التي هي عليها الآن لتتنافس الشركات العالمية على التحكم بها وتقيس ثروتها بتضخم البيانات لديها..
ونسأل هل هذه الثروة التي يتنافس عليها الجميع هي فقط من أجل المردود الإعلاني أم هي أكثر من ذلك؟ الحقيقة نعم هي أكثر بكثير من حكاية الإعلانات التي يردون بها علينا كلما سألنا عن تهافتهم على كسب المزيد من بياناتنا.. بدأت الشركات بتلك العقود التي تصلنا عبر هواتفنا وأجهزتنا بخط صغير جداً وصفحات طويلة وغالباً لا نقرأها، بل نسارع بالموافقة عليها ونحمد الله على هذا الزمن الجميل حيث تُقدم لنا الشركات كل تلك الخدمات الرقمية الهائلة من دون مقابل.. والحقيقة أن بياناتنا هي المقابل.. وهي غالية جداً لو تأملنا في تسارع استخداماتها وانتهاكها لخصوصياتنا من أجل تسيير مصالح الشركات التي لم تعد تكتفي بالمردود التجاري، بل تدخلت في البيانات الصحية واللوجستية والشخصية، واستثمرت في تطبيقات تُحلل وتتنبّأ بسلوكيات كل شعب قبل أن يعرفها هو نفسه..

هذا وضع يستحق أن نسأل هل هو صحي؟ طبعاً لا.. من حسن الحظ أن هناك وعياً لدى أكثر الحكومات المحلية التي بدأت تُدرّس مادة (علم البيانات) وتعمل على تحصين وحماية الشركات المحلية والحسابات الشخصية من (الهاكرز) والأيدي العابثة التي تسعى لسرقة البيانات واستعملها بشكل غير قانوني.. والحقيقة أن الحكومات المحلية نجحت في حماية بياناتها وفي كشف الجرائم الإلكترونية المحلية لكنها تدعو إلى بث الوعي بين أبنائها للحذر من كشف بياناتهم الشخصية للتطبيقات المشبوهة.
أما عالمياً.. فالشركات العملاقة واجهت الكثير من الدعاوى لوقف استغلالها للبيانات رغم ادعائها أنها تُستخدم لأغراض إعلانية بلا تدخل بشري في تخزينها وجمعها وتحليلها.. فبحسب صحيفة &"سان فرنسيسكو برس&" واجهت غوغل دعاوى واتهامات بجمع البيانات على متصفح (كروم)، كما تواجه شركات أخرى مثل (فيسبوك وانستغرام) دعاوى قضائية بالجملة، لكن كل تلك الدعاوى كانت تسوى بمبالغ مالية تدفعها هذه الشركات.. ولا يتغير شيء.

أما منصة (نيوبورت غلوبل سوميت) فقد أكدت أن الذكاء الاصطناعي سيصبح نفط المستقبل وستكون مراكز البيانات هي حقول النفط التي يتم استخراج كل قدرات الذكاء الاصطناعي منها. وستعتمد كل الصناعات وكل المجالات حتى الحربية منها على تلك المراكز في المستقبل القريب. وقد يبدو الأمر ضبابياً عندما نركز على كلمة (داتا) أو بيانات ولكنها في الحقيقة تتحول إلى معلومات مهمة.. ومع تطور التقنيات الحديثة تصبح هذه المعلومات الكنز الذي لا يستهان به، فالعالم يتطور بشكل متسارع وبالذات في ظل الثورة الصناعية الرابعة وعصر الإنترنت والعوالم الافتراضية.. ولو عدنا بالذاكرة إلى ما قبل عقدين من الزمن فإن شكل العالم كان مختلفاً تماماً، ولماذا لا يكون أكثر اختلافاً في العقود القادمة؟

مما لا شك فيه أن الأنظار تتجه اليوم إلى الداتا أو البيانات باعتبارها الجهاز العصبي للاقتصاد الجديد الذي أصبح اليوم يقدر بمليارات الدولارات، مما جعل صراع التحكم في السيطرة على العالم بين الدول العظمى يبدأ يتجلى بالتطبيقات التي تنتجها هذه البلدان وعلى رأسها تطبيقات التواصل الاجتماعي، الذي كان إعلاماً حراً فجُمِعت منه البيانات لتُحيك حوله هيمنة قادرة على توجيه عقول المستخدمين بعد أن جَمعت بياناتهم وحَلّلتها وتنبأت بسلوكياتهم، ثم درست كيفية تحريكها باتجاه مصالحها الاقتصادية والسياسية والفكرية. هذا هو النفط الجديد.. لا يحرك بوارج ولا طائرات ولا سيارات بل أكثر يُحرك العقول التي تُحرك كل شيء وتتحكم بسلوكيات الشعوب بما يتناسب مع تطلعاتها..

وبذلك نستطيع القول إن من يمتلك أكبر (داتا) يمتلك أكبر قوة مُسيطرة قادرة على حُكم العالم.

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف