مقاهي الأنس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جاءت فترة من العمر، اعتبرت فيها حياة المقاهي تسكعاً وخمولاً وإضاعة وقت. وابتعدت عن المقهى والزحام والرفاق إلى الداخل، إلى الوحدة والكتاب، ثم المزيد منهما. والآن أشعر بندم عميق. الزحام كان جميلاً، والرفاق كانوا طيبين، والمحادثات كانت شيقةً ومسليةً. ولماذا العزلة؟ الآن أكتشف أن المقهى كان اختراعاً يقارب البيت. أو هو غرفة الاستراحة الإضافية، مجمّع أصدقاء، ومنتدى تعارف ومودات.
كثيرون منا كانت بيوتهم صغيرة، ووجدوا في المقهى صالة استقبال، أو حديقة. وليس صحيحاً أن المقهى مجلس الخمول. كبار الأعمال الأدبية والسياسية خرجت من نظام المقهى. نجيب محفوظ كان يعود من المقاهي بأفكار لأجمل رواياته. وجان بول سارتر جعل المقهى الباريسي عنواناً لأهم مرحلة فلسفية في فرنسا. ومقاهي بيروت في الستينات جمعت كل المفكرين العرب وأحلامهم، وخراب بيوت الأمة.
لكنها، في وقتها، كانت جميلةً ومليئةً بالحياة. حرمت بغداد ودمشق حياة المقهى السياسي، لأن المقهى يعيش على الثرثرة، وتقليب الناس في المقلاة. في حين أن الرفاق كانوا منهمكين في توحيد الأمة وتوزيعها على السجون، والمنافي، بالعدل والقسطاس.
لكن المقهى التاريخي صمد. مقاهي نجيب محفوظ في «ريش» (مصر)، ومقاهي حركة «شعر» في شارع الحمراء، ومقهى علي صالح السعدي في بوليفار السان ميشال، باريس، قبل أن يمل من برودة المدينة ويأتي إلى بيروت، لكي ينضم إلى من بقي حياً وحراً من مناضلي المرحلة الذين مهدوا بكل عناية لما نحن فيه.
عندما منح نجيب محفوظ «نوبل» الآداب، اعتذر عن تسلم الجائزة بنفسه، وكلف ابنته أم كلثوم بأن تتولى ذلك. وسُئل بعدها عن السبب، فلم يشأ قول الحقيقة، وهي أنه يكره السفر ويخشى الطيران، وأجاب بدل ذلك: «أمّال، أسيب الرفاق في القهوة وحدهم كده؟».
أعتقد أن ذلك أجمل ما قيل في تاريخ المقاهي، وهذه الطرفة البسيطة على الطريقة المحفوظية هي ما ذكرني بما خسرت من سنين في عزلة البيت والشرفة الزجاجية بعيداً عن عشرة الرفاق وأمزجة الفرح. ولا أعرف من اخترع المقهى، لكنه كان يعرف بالتأكيد جفاف الحياة... بلا مؤانسة.
التعليقات
مقهى هافانا ايضا..
زبير زاندا -نسيت مقهى هافانا في دمشق،ايها الكاتب القديروالمحترم،الفرق مقهى هافانا كان للسياسيين السوريين،يجتمع فيها غير المثقفين...كان يقال في سوريا قم بانقلاب، او روح خذلك كم واحد من مقهى هافانا...بعدين اصبح يجتمع فيه كل واحد يشتري جريدة لبنانية، وينتظر ...اليوم السوريين ،..يتحسرون على اغنية فيروزمع والدموع ...يارايحين لحلب ،حبي معكم راح ،يامحملين العنب تحت العنب تفاح....والان يامحملين الصواريخ تحت الصواريخ قنابل...