جريدة الجرائد

المملكة وسوريا: ثوابت لا تتغير

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خالد بن حمد المالك

في خضم هذا الاستقبال التاريخي غير العادي بسقوط بشار الأسد ونظامه، وما يمثِّله هذا الحدث من أهمية في التعامل مع من دمَّر البلاد وقتل وعذَّب وهجَّر المواطنين، وباع سوريا لقوى وميليشيات دولية مقابل حمايته من غضبة الشعب، أقول في ظل كل هذا يجب أن نستحضر دور المملكة العربية السعودية في انحيازها في مواقفها إلى جانب شعب سوريا الشقيق، وهو من باب التذكير بالمواقف والمبادئ الثابتة التي تؤمن وتتمسك بها المملكة، وتلتزم بها ضمن ثوابتها التي لا تتغيّر.

* *

ومن باب التذكير ليس إلا، فقد كانت المملكة بكل مدنها مع الأحداث والتطورات التي عصفت بسوريا هي وجهة السوريين، وبلدهم الثاني، ضيوفاً على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاماً، حمايةً لهم من بطش نظام بشار الأسد، واصطفافاً معهم في انتظار اليوم الموعود لسقوط هذا النظام، وعودتهم إلى بلادهم وديارهم متى رغبوا بذلك.

* *

ثلاثة ملايين من السوريين آوتهم المملكة، وعاملتهم كما يتم التعامل مع السعوديين في التعليم والصحة والخدمات الأخرى مجاناً معزَّزين، مكرَّمين، أي أن المملكة على مدار السنوات الماضية، وتحديداً منذ عام 2011م وهي في انحياز تام إلى جانب الشعب السوري الشقيق في جميع قراراتها ومواقفها، تعاملهم بوصفهم مقيمين لا كلاجئين، وهو ما يعني توفير متطلبات الحياة الأساسية لهم، وممارسة العمل، وإعادة دمجهم بالمجتمع.

* *

لقد ولدت أجيال كاملة من السوريين على أرض المملكة، ولم يشعروا يوماً بأنهم غرباء، في وطنهم الثاني، وإنما كانوا كما السعوديين في كل شيء، بينما تتابع المملكة تطورات سقوط بشار الأسد ونظامه، وكل الأوضاع في سوريا باهتمام بالغ، وتتطلع إلى عودة الاستقرار سريعاً، وانتظام مؤسسات الدولة بكافة مكوناتها، والحفاظ على أمن ووحدة وسلامة الأراضي السورية، وتغليب الحكمة، وبناء الدولة الوطنية.

* *

ومنذ اليوم الأول للأحداث التي شهدتها سوريا عام 2011 وإلى اليوم، كان موقف المملكة قائماً على مبادئها الثابتة، وضمنها: أهمية ضمان أمن سوريا، ووحدة أراضيها، بعيداً عن التدخلات الأجنبية والتأثيرات الخارجية، وأن سورياً للسوريين، وهم الأحق بإدارة شؤونهم، وتقرير مصيرهم، وفق حوار داخلي من المواطنين، يفضي إلى الخروج من الأزمة في كامل منعطفاتها.

* *

لقد عانى الشعب السوري طويلاً من نظام استبدادي غير مسبوق، وكانت المملكة خلال حكم بشار الأسد تتفهم ما يمر به الشعب السوري الشقيق من معاناة، وحاجته إلى الدعم والمساندة، فكان انفتاحها على قبول رغبتهم بالتوجه إلى مدنها للإقامة فيها لا كلاجئين في مخيمات اللجوء كما هو في دول الجوار من عربية وأجنبية، وإنما في اندماج كامل مع السكان السعوديين وغير السعوديين.

* *

وبذلك، فإن ما هو واضح، وثابت لدى الجميع، أن المملكة ظلت على مدى كل هذه السنوات الطويلة تعمل لمصلحة الشعب السوري، بما في ذلك عودة الاستقرار إلى سوريا وهو ما نتمنى أن يكون قد تحقق بسقوط النظام، غير أن ذلك يتطلب الالتزام بالوحدة والتضامن بين المكونات السورية، والتخلّص من القوات والميليشيات الأجنبية، والمحافظة على مؤسسات الدولة، وبدء الإصلاحات في أنظمة البلاد الدستورية، والتعاون مع الدول العربية، وإيثار مصلحة سوريا وشعبها على أي أطماع أخرى.

* *

وإن تعافي سوريا لا ينتهي بطرد بشار الأسد، والتخلّص من أتباعه، وإنما يبدأ العمل منه، لأن التحديات القادمة كثيرة وكبيرة، ويحتاج التعامل معها إلى شيء من الحكمة، وبعد النظر، والاستفادة من التجارب والدروس السابقة، وعلى الدول العربية الفاعلة والمقبولة دعم مستقبل سوريا في مرحلتها الجديدة بعد انتهاء حكم أسرة الأسد التي قهرت وآذت الشعب على مدى أكثر من خمسين عاماً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف