دروس الأسد في صنعاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تفاعلاً مع خروج حليف طهران السوري، الرئيس السابق بشار حافظ الأسد، من دمشق لاجئاً إلى موسكو نهار الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، انبرى اليمنيون واليمنيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتوقعون ويتمنون ويتوعدون قرب استعادة العاصمة صنعاء من براثن ميليشيا الحوثيين - أنصار الله - المرتبطين بفيالق إيران... وأطلّت مقارنة غير منطقية بين نهايتَي نظامَي الأسد ورئيس الجمهورية اليمنية السابق الراحل علي عبد الله صالح.
القناعة المسبقة بالأحكام المطلقة تتخطى النظرة الموضوعية إلى اختلاف أسلوب الشخصين والبلدين، وإدراك حقيقة أن ما كان يصلح لصالح ويعقله بخبرته لم يكن بشار بنفسيته يتقبله... فما عقله الأول جنّ منه الأخير، فخسر تأمل مصارع ومآلات رؤساء جمهوريات «العسكريتاريا» من النهر إلى البحر، أي من العراق حتى ليبيا وتونس قبل «الربيع العربي» وبعده.
المصارع والمآلات تُنذِر من يعقل تقلّبات الزمن، مثل من احتضنتهم أوطانهم حتى مماتهم... حيث اختار رئيس جمهورية مصر العربية السابق الراحل حسني مبارك التخلي عن السلطة في فبراير (شباط) 2011، راسماً نهاية مختلفة عن نهاية زميله الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. أما الرئيس صالح الذي لقّن العالمَ عام 2004 مثلاً يمنياً يقول: «إذا حَلَق ابن عمك بليت راسك»، فإنه عقب مداولات ومناورات سياسية دامت شهرين، وفي يوم محاولة اغتياله بتفجير مسجد دار الرئاسة يونيو (حزيران) 2011، اعتزم إعلان قبوله توقيع «المبادرة الخليجية» التي نصت على نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي -هذا وللمبادرة قصة تُروى-؛ ووفق شهادات بعض كبار ساسة اليمن الأحياء أنه لولا محاولة الاغتيال يومذاك ثم معالجته من آثارها في الرياض، لما تأخر توقيع المبادرة حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2011... بعد شهر من مصرع الرئيس الليبي معمر القذافي.
عقب توقيع صالح على المبادرة وخروجه من الرئاسة، أراد المجتمعان الإقليمي والدولي تطبيق النموذج اليمني على الأزمة السورية. فاقترحت جامعة الدول العربية في يناير(كانون الثاني) 2012، ثم خطة كوفي أنان، انتقال السلطة إلى نائب الرئيس فاروق الشرع من الرئيس بشار الأسد الذي مضى بالأمور حتى أتى أحمد الشرع (الجولاني)، وصدرت النسخة العاشرة من «بيان رقم 1» بعد انقطاع سوريا عن بيانات الانقلاب طيلة 54 سنة منذ الانقلاب التاسع أو «حركة تشرين الثاني 1970 التصحيحية» بقيادة الأب حافظ الأسد، حتى فرّ الابن غير حافظٍ لتماثيل أبيه إلى الأبد، بعدما ظل يزأر رافضاً خرائط الحل المنبسطة وعدم السير على خطوطها الواضحة، حتى لفظته «الغابة»، وترك خلفه سوريا عرضة لمخاوف التقسيم، ونظامه «فريسة» تلتهمها «الفصائل».
تجنّب «ضيف موسكو» دروس الاهتداء إلى الحل الأمثل والخروج المشرف، وما طلب من اليمن -من الحوثيين تحديداً- قبل 7 أشهر سوى دروس التحول إلى «قوة عالمية!»، نافخاً الغرور في معاطسهم.
تُرى هل يتعظون في صنعاء الآن من دروس وتجربة حليفٍ سابق بات اليوم أوعظ منه «رئيساً»؟... لعلهم يبلون رؤوسهم. من يدري؟! مثلما لا ندري بعد إذا ترك الأسد الابن أحداً بعده يبكي عهدَه... أم أنه لم يترك أحداً ما بكى من عهدِه.
المستقبل في سوريا، في لبنان والعراق واليمن، وفي كل مكان، لا ينتظر تباكياً وعَضّاً على أصابع الندم، بل يترقب عِظةً من الماضي الأسود وعزماً على مغادرته، تفادياً للسيناريو الأسوأ... فهل سنرى لهذا المستقبل أهلاً؟ «مَن يعش... يرَ».