جريدة الجرائد

سوريا: جيش أميركي جديد مكان الجيش السوفياتي القديم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مهم جدًا التوقف عند موجة الغارات الإسرائيلية الواسعة التي شملت كل الأراضي السورية من البحر إلى البادية مرورًا بأرياف حمص وحماة ودمشق العاصمة أيضًا وصولًا إلى ريف السويداء، حيث احتاج تدمير أهم الأصول العسكرية النوعية للجيش السوري إلى أكثر من 350 غارة، وُصف بعضها بأنها كانت من أعنف الغارات التدميرية التي استُخدمت فيها أسلحة وذخائر خارقة للتحصينات. وقد كانت أهم الأصول العسكرية التي جرى تدميرها في أقل من ثلاثة أيام متتالية مستودعات ومختبرات تتصل بصنع الأسلحة الكيماوية، وصواريخ أرض-أرض باليستية متوسطة المدى من طرازات عدة، أهمها صواريخ "سكود" معدلة يصل مداها إلى أكثر من 700 كيلومتر، ومنظومات دفاع جوي متنوعة تتراوح بين الرادارات والصواريخ المضادة للطائرات من جميع طرازات "سام" الروسية. ولم يفت الإسرائيليين أن يدمروا الأسطول البحري المتواضع الذي كانت تملكه سوريا، لكي تصبح سوريا الجديدة منزوعة من كل سلاح يتعدى السلاح الفردي أو المتوسط الذي تمتلكه القيادة الجديدة أو الذي استولت عليه مؤخرًا بعد سقوط النظام.

وتوازيًا مع الحملة الجوية الإسرائيلية، دخل الجيش إلى المنطقة العازلة على خط وقف إطلاق النار في الجولان، واستولى على أعلى قمة في جبل الشيخ التي تبعد مسافة 40 كيلومترًا عن دمشق، وتطل على معظم الجغرافيا السورية واللبنانية معًا. ولم تكتفِ إسرائيل بهذا التوغل، بل واصلت اختراق الجنوب وصولًا إلى ريف دمشق الجنوبي بمحاذاة طريق دمشق - بيروت الدولية.

تعكس هذه الخطوة قرارًا كبيرًا لا يُستبعد أن تكون إسرائيل قد توافقت حوله مع الإدارة الأميركية من أجل تجنب سقوط أصول عسكرية خطرة بيد الفصائل السورية المتنوعة، وخصوصًا أن الأرض السورية قد لا تكون كلها بيد تنظيم "جبهة تحرير الشام"، بل إن ثمة فصائل أخرى أقل انضباطًا والتزامًا بقواعد اللعبة الجديدة في سوريا. وبالتالي فإن تدميرها في مرحلة اللاتوازن التي تلي سقوط النظام ضرورة إسرائيلية - أميركية. وما يؤكد الأمر أن مطار دير الزور الذي استولت عليه قوات "قسد"، ثم اضطرت بعد الضغط الأميركي إلى إخلائه، عاد فتعرّض لغارات أميركية ثم إسرائيلية لتدمير كل أصوله العسكرية التي تتجاوز الحد المسموح لناحية الرادارات ومنظومات "سام-6" المضادة للطائرات.

أضف إلى ذلك أن ثمة سببًا إسرائيليًا قد لا يلتقي بالضرورة مع الاستراتيجية الأميركية، وهو أن مصلحة تل أبيب تكمن في الدفع نحو تقسيم سوريا إلى أكثر من ثلاثة كيانات طائفية وإثنية ومناطقية بما يمنع قيام دولة مركزية في المستقبل يمكن أن تعود لتشكيل تحدٍ أو خطر على إسرائيل.

ثمة عنصر آخر يجب التوقف عنده، وهو أن الجيش السوري بصيغته "الأسدية" أصبح متهالكًا ومتخلفًا قياسًا على حجمه ومهماته الدفاعية. وفي هذا الصدد تشير معلومات دبلوماسية في بيروت إلى وجود خطة لإعادة بناء الجيش السوري من أساسه على يد الولايات المتحدة التي ستقوم بتسليحه وتدريبه وتغيير عقيدته القتالية ليصبح كجيش ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". التدمير الذي قامت به إسرائيل في الأيام الأربعة الأخيرة لا يرقى إلى مستوى إزالة الجيش أو حله كما حصل في العراق. في الساحة السورية، ثمة تهيئة لإعادة بناء الجيش دون حله مسبقًا. ومع إعادة تسليحه بأسلحة أميركية غربية وتدريبه على يد خبراء وضباط غربيين، سيكون معظمهم أميركيين، سيتغير الجيش تمامًا وتُطوى عقيدته السابقة.

ويعزو دبلوماسيون غربيون في بيروت السبب إلى أن الهدف الأبعد لكل ما يحصل سيتمثل بالوصول إلى مرحلة عقد اتفاقيات سلام تحتاج إلى حماية جيوش وطنية تقطع مع المرحلة السوفياتية &- الروسية، وأيضًا مع مرحلة الحركات القومية والإسلاموية (بصيغة العقدين الماضيين)، وتصبح جزءًا من مدرسة عسكرية واحدة تمتد على كامل الرقعة الشرق أوسطية. بهذا، فإنها ستدفع سوريا الموحدة &- فدراليًا إلى حضن الغرب، حتى لو منحت روسيا تسهيلات عسكرية في قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية. عمليًا تبقى هاتان القاعدتان مكشوفتين أمام الداخل السوري "غير الصديق" تعريفًا بعد سقوط نظام الأسد. كما أن القاعدتين لا تحتويان على أصول عسكرية من شأنها أن تشكل خطرًا كبيرًا على الانتشار الأميركي &- الغربي المترامي الأطراف في المنطقة.

سوف تنتقل سوريا تدريجيًا إلى المعسكر الغربي، وبالتوازي سوف يتمدد الحضور الأميركي العسكري في لبنان مع إقامة قاعدتين بحرية وجوية. والأخيرة قد تُقام في الداخل اللبناني، أي في سهل البقاع المتاخم لسوريا. هذا إضافة إلى أن نزع سلاح "حزب الله" وإنهاء وظيفته العسكرية والأمنية الإقليميتين سيساعد على إخلاء مواقعه المنتشرة فوق أعلى القمم في السلسلة الغربية لجبال لبنان، ويسهل على الأميركيين إقامة نقاط مراقبة رادارية متطورة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف