الرغبة في الهجرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الحبيب
العالم يمر بمرحلة انتقالية وأمواج تغيير وأحد أسبابها هو تنامي الهجرة خاصة في أوروبا التي تمر باضطراب اجتماعي وتغير سياسي، ظهر بوضوح بعد حصول الشعبويين والقوميين (أقصى اليمين) على مراتب متقدمة بانتخابات البرلمان الأوروبي.. فهل ستتغير الخريطة السياسية داخل البلدان الأوربية؟ وهل ستغلق الأبواب أمام المهاجرين أو على الأقل يتم تقليصها إلى حد كبير؟ وهل سيهدد ذلك مصالح الدول التي يأتي منها المهاجرون خاصة إذا شددت أمريكا على دخول المهاجرين إليها؟ ورغم أن أمام المهاجرين تحديات حقيقية وصعوبات جدية، فإن رغبة الناس في مغادرة بلدانهم مستمرة في التصاعد ولا تزال أعلى مما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فعلى المستوى العالمي كان معدل من يرغبون في الانتقال بشكل دائم إلى بلد آخر 12 % عام 2011 وارتفعت إلى 16 % عام 2023، ومن أكثر المناطق التي ترسل المهاجرين على مدى عقود هي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية إلى المناطق المستقبلة للمهاجرين مثل الولايات المتحدة وكندا حسب أحدث بيانات غالوب للهجرة العالمية التي تتزامن مع ما أظهرته تقديرات الأمم المتحدة من مستويات قياسية للهجرة بعد تباطؤها خلال جائحة كورونا، وما أوضحته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن الهجرة الدائمة في عام 2022 وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. وبمقارنة بين عامي 2011 و2023 زادت النسبة من 29 % إلى 37 % لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومن 18 % إلى 28 % لأمريكا اللاتينية، ومن 19 إلى 26 % للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن 7 % إلى 9 % جنوب وشرق آسيا.. يلاحظ أن النسبة المئوية لأولئك الذين لديهم خطط للانتقال هي أقل بكثير من النسبة المئوية لمن يرغبون في الهجرة، فالرغبة لا تعني وضع خطة لذلك، كما أن وضع خطة لذلك لا يعني أنه سيفعلها، ومن ينوي فعلها قد لا يتمكن، حيث يستند استطلاع غالوب حول رغبة البالغين في الانتقال إلى بلد آخر إلى سؤال يطرحه سنويًا تقريبًا: «من الناحية المثالية، إذا أتيحت لك الفرصة، فهل تنتقل بشكل دائم إلى بلد آخر، أم تفضل الاستمرار في العيش في هذا البلد؟» وتستند أرقام عام 2023 إلى مقابلات أجريت مع ما يقرب من 146 ألف شخص بالغ في 142 دولة ومنطقة.
على الرغم من أن الولايات المتحدة وكندا هما الوجهتان الرئيسيتان للمهاجرين، ورغم أن الولايات المتحدة تتصدر كل عام قائمة الوجهات الأكثر رغبة، إلا أن النسبة زادت في هذين البلدين للذين يريدون المغادرة بشكل دائم بـ18 % لأمريكا و9 % لكندا، في حين أن دول الاتحاد الأوروبي نسبتها مرتفعة بشكل عام لكنها ظلت ثابتة (20 %) على مدى عقد بسبب زيادة نسبة دول شرق أوروبا، أما أقل دول العالم فهي اليابان والسعودية وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا بنسب هامشية (2-4 %).
ويشير تقرير غالوب إلى أن مئات الملايين يشعرون بالانجذاب أو الدفع نحو بلدان أخرى غير بلدانهم لأسباب مختلفة..
من هم هؤلاء المهاجرون المحتملون، وإلى أين يرغبون في الذهاب، ولماذا، سوف يظلون قضية مهمة بالنسبة للقادة في بلدان المنشأ والمقصد لفهمهم أثناء تطوير استراتيجيات الهجرة والتنمية. والخلاصة الرئيسة للتقرير هي أن الرغبة المتزايدة في الهجرة ظاهرة ليس فقط في المناطق المرسلة للمهاجرين ولكن أيضًا في المناطق التي عادة ما تكون في الطرف المستقبل.
تنامي أعداد المهاجرين في بعض البلدان تزامن مع صعود الإيديولوجيا القومية بشكلها المتطرف الذي يرى أن أمة الفرد فوق الأمم، بحجة اجتماع الأشخاص معاً كهوية أو عرقية مشتركة يهددها الآخرون (المهاجرون)؛ مما يؤدي إلى قيام الجماعات القومية بالتعبير عن كراهية الأجانب والتأييد للسياسات المناهضة للهجرة لأنهم غالباً ما يرون الأجانب إما كمنافسين على الوظائف أو كأعباء متخلفة أو ضعيفة تحتاج إلى مساعدات مالية؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من السياسات الانعزالية التي تعرقل التعاون العالمي بين الدول والمنظمات الدولية.
كذلك تزامنت هذه الحالة مع صعود الشعبوية، ورغم أنها ترتبط بالقومية برابط وثيق لكنها تختلف بزعمها أنها تتحدث إلى «الشعب» وتصور «النخبة» على أنها مجموعة تتجاهل احتياجاته وتجعل حياته أسوأ، ويحاول الشعبويون استحضار مشاعر الفخر والخوف والغضب بين قاعدتهم الشعبية، بحيث يشعرونهم بخطر الآخرين سواء من المهاجرين أو الأجانب أو الأقليات مما يخلق الانقسام بين السكان.
لكن ليست كل الدول تخشى الهجرة، فثمة دول مثل كندا تعتمد على رغبة الناس المتزايدة في القدوم إلى بلادها، فقد أعلنت الحكومة الكندية عن خطط أواخر عام 2020 لاستقبال ما يقرب من 1.5 مليون مهاجر بحلول عام 2025 لتعويض شيخوخة سكانها وتخفيف نقص العمالة.
يظل أهم عامل هو النمو الاقتصادي في البلدان الجاذبة للمهجرين فقد أظهرت العديد من الأبحاث علاقته الإيجابية مع التسامح تجاه المهاجرين، بينما العنصرية تتفاقم في المجتمعات التي تؤججها الأزمات الاقتصادية، خاصة عندما يقال إنّ الأجانب يحصلون على وظائف المواطنين أو يزيدون معدل الجريمة أو يهددون هوية البلد..