شبابنا وسط عالم مهووس بالإشباع الفوري
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ميسون الدخيل
في أحد الأيام، لاحظ أحد المارة رجلًا مسنًا يزرع بجد شجرة ستستغرق سبعين عامًا لتؤتي ثمارها، فسأله بفضول: «لماذا تستثمر وقتك في شيء من المحتمل ألا تستمتع به أبدًا؟ أليس من الحكمة أن تزرع شيئًا يفيدك الآن؟»، فأجابه الرجل العجوز: «أنا أقف هنا اليوم، لأنني جنيت ثمار الأشجار التي زرعها والداي. أريد أن يتمتع أحفادي بالخيرات نفسها».. هذا التبادل يطرح سؤالا حيويا: ماذا نزرع لأولادنا وأحفادنا في عالم مهووس بالإشباع الفوري؟ في مجتمع اليوم، الذي يسير بخطى سريعة، جاذبية النتائج الفورية لا مفر منها تقريبًا، فنحن نسعى لإيجاد حلول فورية لمشاكلنا، سواء من خلال التكنولوجيا أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أنماط الحياة السريعة. وقد تغلغلت هذه العقلية في كل جانب من جوانب الحياة، مما شجع شبابنا على إعطاء الأولوية للمكاسب القصيرة الأجل على الإنجاز الطويل الأجل. ضع في اعتبارك ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توفر الإعجابات والمشاركات التحقق الفوري من الصحة. وغالبا ما يقع الشباب في دوامة البحث عن الاستحسان من خلال ردود الفعل الفورية، مما يؤدي إلى القلق عندما لا يحصلون عليه. الضغط من أجل تنسيق الشخصية المثالية على الإنترنت يمكن أن يحجب أهمية العلاقات الحقيقية وقبول الذات، فبدلا من تعزيز الصبر والمرونة نشجع ثقافة يُقاس فيها النجاح بالظهور الفوري والشعبية. يمتد هذا الإشباع الفوري إلى التعليم والتطلعات المهنية أيضًا، فالعديد من الطلاب اليوم يندفعون في دراستهم متلهفين للحصول على وظائف ذات رواتب عالية دون استيعاب المعرفة والمهارات التي ستخدمهم على المدى الطويل. وقد كشفت دراسة استقصائية أن عددًا كبيرًا من المهنيين الشباب يشعرون بأنهم غير مستعدين للقيام بأدوارهم، ويعزى ذلك إلى تركيزهم على الإنجازات السريعة بدلا من الفهم العميق. الآثار المترتبة على ذلك عميقة: قوة عاملة تهتم بالسرعة أكثر من اهتمامها بالجوهر، ما يهدد قدرتها على الابتكار والنمو الحقيقي. علاوة على ذلك، فقد غيّرت الوجبات السريعة والتكنولوجيا المريحة نهجنا تجاه الصحة والرفاهية. فمع تزايد الاعتماد على الأطعمة المصنعة وأنماط الحياة التي تتسم بقلة الحركة نشهد معدلات مقلقة من السمنة ومشاكل الصحة العقلية بين الشباب. وغالبا ما تخفي الراحة التي تأتي مع هذه الخيارات عواقبها على المدى الطويل، حيث يعطي العديد من الشباب الأولوية للرضا الفوري على العادات الصحية. وفي إطار البحث عن حلول سريعة، نغفل أهمية تطوير نمط حياة متوازن يشمل النشاط البدني والصحة العقلية والأكل المغذي. غالبًا ما يمكن إرجاع ظهور مشاكل الصحة النفسية، مثل القلق والاكتئاب، إلى هذا الخلل في التوازن، حيث يجد الشباب أنفسهم غارقين في مشاكلهم، ويكافحون للتعامل مع ضغوط عالم سريع الحركة، بينما يهملون احتياجاتهم الخاصة. كما يؤثر هذا السعي الدؤوب وراء الفورية في علاقاتنا الشخصية. ففي عالم تهيمن فيه الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي على التواصل، قد يجد الشباب أنه من الأسهل التواصل رقميًا أكثر من التواصل وجهًا لوجه. مع ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاعلات سطحية تفتقر إلى العمق والتواصل العاطفي: تتآكل القدرة على الانخراط في محادثات هادفة، وممارسة التعاطف والصبر، مما يجعل الكثيرين يشعرون بالعزلة على الرغم من تواصلهم المستمر. وعلى المستوى المجتمعي، تتجلى هذه الضغوط في طلب الحلول السريعة للمشاكل الاجتماعية المعقدة، فغالبًا ما تشعر الشركات والأعمال التجارية بضغوط من المستهلكين الذين يرغبون في الحصول على نتائج فورية وإشباع فوري. بالتالي، قد يعطون الأولوية للأرباح القصيرة الأجل على الممارسات المستدامة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات تضر بالبيئة أو تستغل العمالة، ويمكن أن يؤدي هذا الاندفاع نحو تحقيق مكاسب سريعة إلى ممارسات مثل التقادم المخطط له، حيث يتم تصميم المنتجات بحيث يكون عمرها الافتراضي قصير الأجل، أو الترويج لخيارات غذائية غير صحية، التي توفر الرضا الفوري، ولكنها تسهم في مشاكل صحية طويلة الأجل. ونتيجة ذلك، تُترك المشاكل المجتمعية الأعمق، مثل التدهور البيئي وأزمات الصحة العامة، دون معالجة. إذاً ما الذي يمكننا فعله لتنمية عقلية الصبر والاستبصار في شبابنا؟ يبدأ الأمر بنمذجة هذه القيم بأنفسنا، أي يجب أن نشجع جيل الشباب على تقدير الرحلة وليس فقط الوجهة، وقد يعني ذلك تعزيز البيئات التي يتم فيها الاحتفاء بالجهد والمثابرة، حتى عندما لا تكون النتائج الفورية مرئية. ثم أن هنالك الاختبارات الموضوعية التي غالبًا ما توفر تغذية راجعة فورية، حيث تعزز هذه الفورية ثقافة الإشباع الفوري؛ بمعنى أن يتوقع الطلاب نتائج سريعة دون الانخراط بعمق في المادة، فنحن نعرف كيف تتم المذاكرة للاختبارات الموضوعية مقارنة بالاختبارات المقالية. ونتيجة ذلك، قد يطورون عقلية تقدر السرعة على حساب الفهم الشامل، مما يؤدي إلى تراجع المثابرة والصبر، بينما دور النظم التعليمية هو أن تلعب دورا حاسما من خلال التركيز على التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات. وبدلا من التركيز على الاختبارات الموضوعية لإعداد الشباب من أجل مواجهة التحديات بشكل مدروس ومستدام، فمن الممكن للبرامج التي تشجع خدمة المجتمع والإرشاد أن تركز على غرس الشعور بالمسؤولية والترابط، وتعلم أن التأثير الدائم يتطلب في كثير من الأحيان الوقت والتفاني. من الضروري أن نذكر أنفسنا وشبابنا بأن أفعالنا اليوم تشكل الإرث الذي نتركه وراءنا، وعلى غرار الرجل العجوز الذي يغرس الشجرة، يجب أن نستثمر في المستقبل، مدركين أن النجاح الحقيقي يستغرق وقتا لزراعته. وبينما نحن نخوض غمار تعقيدات الحياة الحديثة، دعونا لا ننسى حكمة المثل الصيني «لحظة واحدة من الصبر يمكن أن تجنبنا كارثة، بينما لحظة واحدة من عدم الصبر يمكن أن تدمر حياة بأكملها». في عالم يتسابق نحو تحقيق نتائج فورية، دعونا نسعى جاهدين لنكون بستانيين يتحلون بالصبر والتبصر، ونرعى مستقبلًا يمكن لأطفالنا أن يزدهروا فيه، ليس فقط في الوقت الراهن، ولكن للأجيال القادمة.التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف