دعابات زوجَين بالمُول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علي الخزيم
= زوجان يتسوقان بأحد الأسواق المركزية الكبرى (مُول) بصحبتهما طفل رضيع؛ ويبدو- بحَسب ما سمعت دون تعَمّد مِنّي لقربي منهما، ولأنهما يتحدثان بصوت مرتفع نسبيًا - أنهما من أسعد الأزواج بذاك المساء قياسًا على مفردات يطلقها أحدهما تجاه الآخر تُشير إلى ارتياح وبهجة تَحُفّ الأسرة الصغيرة؛ وهذا أمر جيد حتى لو كان لسويعات من الزمن بيومهم ذاك، فالسعادة والدعابات البريئة النقية بين أفراد الأسرة تنشر الوئام والمودة على المدى الطويل!
= مذاقات الدعابة ومستوياتها ورموزها تختلف بين إنسان وآخر، ولا يمكنك الحكم على ظَرَف ولطافة إنسان من فَحوى عباراته إذا ما كنت تزنها وتقيسها بمعاييرك الخاصة، فالمزاح والدعابة وخِفة الظِّل هي أمزجة ومواهب تتفاوت وتختلف كغيرها من المَلَكَات، فليس ثمة حُكم وحيد ينطبق على توجهات وأمزجة متعددة، فالذي تَقبَله أنت قد لا يستمزجه غيرك وإن لم يعترض عليه.
= قال لها مازحًا:(غَرضك هناك يا بقرة)! وكانا بالمصادفة يمران أمام رفوف طويلة عريضة من منتجات الألبان من خيرات الله المتنوعة مِمَّا لذ وطاب ويَروق العين بمغلفاته قبل اللسان! وبضحكة المُنتصر ردَّت: انظر أمامك لمنتجات البقر؛ فماذا أنتجت أنت أيها (...)؟ وهنا فإن السامع لا حَق له بأن يُخضع تلك العبارات والمفردات بين اثنين يفهمان بعضهما لمزاجه وتفكيره الذاتي، فهما يُدركان ما يعيشانه تلك اللحظة، وكما يقال:(بين الأحباب تسقط الآداب)؛ أو هي ساعة وساعة.
= يقاس نتاج البهائم والدواب بما تُدِره من ألبان؛ وما يستفاد من لحومها وشحومها وتوابعها، وما لا يحل تناول منتجاتها شرعًا يستفاد من طاقاتها العملية في مجالات مختلفة، وفي المقابل فإن ذوي العقول والمدارك يقاس نتاجهم بالإبداع الفكري والنظريات والتجارب النافعة للبشرية، وبما يُنمّقونه من جميل القول شعرًا ونثرًا؛ فلا يقاس نتاج البشر بنتاج الدواب، وإن كانت نفيسة وقيمتها عالية عند أصحابها، ولكنها قياسات تَحضُر أحيانًا لتلطيف الأجواء والترويح عن الأنفس يَقْبلها بعضهم ويتجاوزها آخرون.
= لن تجد إنسانًا يُبادل أهله وذويه بفواصل من المَرح لاستجلاب البهجة وإدخال السرور على من حوله؛ إلَّا أن يكون - في الغالب - هينًا لينًا لطيف الجانب حليمًا؛ يسهل التعامل معه بالحق، ويؤخذ في الاعتبار أن السجايا آنفة الذكر يجب أن تكون بحدود اللباقة والآداب العامة، وألَّا تتعدى إلى ما يمكن أن يوصف عند بعضهم بالصراحة؛ فهي في الواقع تلامس جوانب وحدود الوقاحة؛ فكل دعابة ومزاح له وقته وحدوده ومدى قبوله من الطرف الآخر، ولا يملك أحدنا حرية تحديد وتوقيت ممارسة الاستظراف وخِفة الظل، ولا يُعَد هذا من الكَيَاسة ورجاحة العقل؛ فموهبة الفكاهة تأتي تلقائية مقبولة من أصحابها.
= أعود لمشهد (المول) والزوجين السَّعيدين -حفظهما الله- فأقول: إذا أنعم الله عليك بزوجة حسناء مَرحة ظريفة ودُود -بدرجة مُرضِية- فأحِطها بمزيد من الاحتواء والإحسان، ولبشَّار بن برد في هذا المعنى وهو وصف عجيب مع أنه كفيف البصر:
وَدَعجاءِ المَحاجِرِ مِن مَعَدٍّ
كأَنَّ حَديثَها ثَمرُ الجِنانِ
إِذا قامَت لِمَشيَتِها تَثَنَّت
كَأَنَّ عِظامَها مِن خَيزُرانِ
يُنَسّيكَ المُنى نَظَرٌ إِلَيها
وَيَصرِفُ وَجهُها وَجهَ الزَمانِ