دمشق ترحب بأوروبا وتتساهل مع روسيا فهل يتّجه الجولاني إلى علاقات خارجية متوازنة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تتقاطر الوفود الأوروبية إلى دمشق لسبر غور ما يفكر فيه الحكام الجدد لسوريا بعد سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري ولجوئه إلى موسكو، ومحاولة استكشاف بعض ملامح النظام الجديد الذي تقوده "هيئة تحرير الشام" التي فكّت ارتباطها بتنظيم "القاعدة" عام 2016. الأولويات التي تشدّد عليها واشنطن والدول الأوروبية والأمم المتحدة، من الدخول في عملية انتقال سياسي تضمن تمثيلاً لكل المكونات السورية، تقابلها أولويات من قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع الذي يكنى بأبو محمد الجولاني. أقرّ الجولاني في لقائه مع الصحافيين الأجانب بأنه لا يملك "عصا سحرية لحل المشاكل الكثيرة التي تعاني منها سوريا". كما أن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء انتخابات في ظل الاضطرابات التي تعيشها سوريا ووجود ملايين اللاجئين في الخارج. وفي محاولة للظهور بمظهر السياسي الواقعي الذي لا يسعى إلى الانتقام، دخل الجولاني في مفاوضات مع روسيا بشأن قاعدتيها الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس. وكأن هذه إشارة منه إلى رغبة في إقامة توازن في العلاقات الخارجية من النظام الجديد. وبالنسبة إلى روسيا التي توطد علاقاتها بنظام "طالبان" في أفغانستان، على رغم الماضي السوفياتي في هذا البلد، قد لا تعدم سبل التواصل مع الحكام الجدد في دمشق، مع الإقرار بأن ذاك التحالف الاستراتيجي الذي كان قائماً مع النظام السابق بات من التاريخ. ملاحظة مهمّة، هي أن السفارة الروسية في دمشق لم تتعرض للنهب، كحال السفارة الإيرانية بعد دخول الفصائل المسلحة إلى العاصمة السورية في 8 كانون الأول، كما أن انسحاب الجنود الروس من مواقعهم في شمال سوريا ووسطها وجنوبها يجري بمواكبة من مقاتلين تابعين لـ"هيئة تحرير الشام"، كما أن مقاتلين من "الهيئة" يحرسون مداخل قاعدة حميميم. تساهل الجولاني مع روسيا، قد لا يكون مستساغاً من واشنطن وأوروبا. وهذه هي الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس تصرّح الاثنين، بأنه "يجب ألّا يكون هناك مكان لروسيا وإيران" في سوريا الجديدة. وهكذا هو حال أوكرانيا التي عرضت تزويد سوريا بالقمح، بديلاً من القمح الروسي. مجدداً يحاول الخارج توظيف سوريا في خدمة مصالحه بصرف النظر عمّن يجلس في كرسي الحكم بدمشق. وهذه واشنطن أيضاً يهمّها الحفاظ على الكيان الكردي في شمال شرقي سوريا، بينما أنقرة ترى أن فرصة تاريخية قد سنحت لها لاجتثاث هذا الكيان بالكامل، وهي لا تصغي لنصائح أميركية بأن ضرب الأكراد قد يعيد إنتاج تنظيم "داعش". وهناك إسرائيل التي تواصل التوغل والغارات الجوية وتفرغ بلدات وقرى من سكانها في القنيطرة ودرعا، بحجة تدمير الأسلحة التي يمكن أن تقع في أيدٍ معادية. بينما واقع الأمر أن الدولة العبرية ترى أيضاً أن الفوضى السورية تتيح لها ضمان عدم نشوء أي تهديد لأمنها على المدى البعيد. كيف يمكن أن يوازن الجولاني بين كل هذه التعقيدات التي انفجرت دفعة واحدة على الساحة السورية؟ الانطباع الأولي يوحي بأن النظام الجديد يبعث برسائل تطمين إلى الغرب لجهة تعهّد حماية الأقليات. أما في مسألة "الحاجة إلى انتقال سياسي شامل وذي صدقية" وفق ما طالب المبعوث الأممي غير بيدرسون خلال لقائه الجولاني الأحد، فلا يبدو أن ثمة استعجالاً لتحقيق هذا الهدف، فضلاً عن ربط الجولاني أي مبادرة من جهته بمبادرة من الآخرين ، لا سيما في ما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، لأن إدارة البلاد بكاملها تختلف عن إدارة جزء من إدلب. لا تزال سوريا في مخاض التحول المزلزل الذي حصل في غضون عشرة أيام. والجميع يتهافتون على دمشق للبحث منذ الآن عن أدوار تؤمّن مصالح كل المتهافتين.