جريدة الجرائد

لا حل إلا بالرجوع لجوال الطيبين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

المجتمعات الغربية أزعجت بقية العالم بقضايا الحريات، وبالمنطق الذي يناسب أولوياتها ومصالحها، ويجوز أنها تخاطب بالمقولة السعودية المعروفة (الجمل ما يشوف عواج رقبته)، فقد نشر المجلس الأوروبي في 2023 مسودة قانون يجيز لحكومات الدول الأعضاء فيه عمليات التجسس على الصحافيين، وذلك باسم حماية الأمن الوطني، والحكومات تعطي هذا الحق بحسب المسودة، إذ قامت شبهات تفيد أن الصحافيين على اتصال بأشخاص تعتبرهم الدولة مجرمين، أو متورطين فيما يهدد أمنها طبقا لتعريفاتها الخاصة، والعمل الصحافي في الدول الأوروبية وأميركا يقوم على كشف المستور، وعلى عدم الإفصاح عن هوية المصادر الإخبارية لحمايتها، ومثل هذا التصرف من وجهة النظر الغربية فيه انتهاك لحرية التعبير وللقيم الديموقراطية، والدليل الاعتراض عليه من قبل 60 منظمة مجتمع مدني، ومن بينهم منظمة (مراسلون بلا حدود)، ولست متأكدا من إقرار القانون، أو أنه ما زال قيد الدراسة.

الكلام السابق يؤكده تصريح منشور لشركة (فودافون) في 2014، فقد قامت بتسمية 29 حكومة، تقدمت إليها بطلب مراقبة لمواطنيها، وما ذكرته يأتي في اعتقادي لإخلاء مسؤوليتها القانونية، والشركات في أميركا نفسها كانت تمارس هذا التصرف في فترة سابقة، ومن الشواهد قيام شركة (أبل) الأميركية باختراق جوال المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وبالتأكيد في أوقات الأزمات والظروف الاستثنائية تصبح الخصوصية رفاهية غير ممكنة، أو ذريعة لارتكاب الجرائم والانحرافات المختلفة، وكشفت (نورد في بي إن) قبل أقل من عام أن التطبيقات تستطيع استخدام ميكرفونات الجوالات لمراقبة الحوارات وتسجيلها، ويكون ذلك بتوظيف الموجات فوق الصوتية، والأخيرة بإمكانها التقاط الحوارات في خلفية المكالمة الهاتفية، ويدخل فيها الإعلانات التي يشاهدها الشخص على شاشة التلفزيون، وتسجيل انطباعاته على ما يراه من خلال رصد تعابير وجهه، وبما يفيد في تقديم مواد إعلانية على منصات السوشال ميديا، وبطريقة تنسجم مع رغباته منفرداً، ولعلها تحسن تجربة المستخدم، ولكنها لا تحيد فرضية الاستغلال غير الأخلاقي.

المتفق عليه بين أهل الاختصاص هو أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي ومعها محركات البحث تتجسس على الناس عن طريق جوالاتهم الذكية، وهذه التصرفات تحدث لأسباب تجارية أو سياسية أو لابتزاز الأشخاص والضغط عليهم، ولا يمكن حصرها إجمالا فيما سبق، وما قيل لا يلغي استخداماتها النافعة، وعلى طريقة الفيلم الهوليودي (مينورتي ريبورت) الذي عرض في 2002، وكان من بطولة توم كروز، وفكرته تفترض وجود مكتب لمنع الجريمة الحتمية قبل وقوعها، ويكون بضبط المتورط فيها قبل تنفيذها بلحظات، ويتم السابق بواسطة تقنيات متطورة، يقترح الفيلم وجودها في 2054 لبناء مجتمع بلا جريمة، إلا أن الشخص المسؤول عن إدارة هذا النظام يكتشف أنه سيتورط في جريمة مستقبلية، ويترك عمله ليثبت براءته، ولا أحد يستبعد تطورات مشابهة في المستقبل، وبشرط التزامها بالأخلاقيات، وعدم استعمال الناس كأدوات فيها، وكلاهما وارد في العمل السينمائي السابق، ولا أوافق عليهما.

في العام 2018 استطاع باحثون في جامعة كاليفورنيا، أن يجعلوا الجوالات الذكية ترسم خريطة ثلاثية الأبعاد بموجات الراديو، مثلما يفعل (السونار)، وبما يعطيها القدرة على تحدد مكان أصحابها في كل الأوقات، وبدقة تصل إلى 93%، ولا أحد يعترض على الاستعانة ببرمجيات التجسس، وبالأخص في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، أو تهريب المخدرات والسلاح، أو في ضبط عصابات الجريمة المنظمة والمافيات، وبأسلوب يضمن توجيه الضربات العسكرية ويستبعد المدنيين، واستنادا لإحصاءات شركة مكافحة الفيروسات (أفاست)، ما بين عامي 2021 و2023، فإن الإقبال على برامج التجسس والملاحقة، وخصوصاً في أوساط الأزواج، ارتفع عالمياً بنسبة 239%، والأرقام مربكة، وتشير لأزمة ثقة بين طرفي العلاقة الزوجية.

صدر تقرير مهم ولافت في العام الحالي، وفيه إشارة إلى أن شركات عملاقة من نوع فيسبوك وغوغل ومايكروسوفت وأمازون وغيرها، ممن تعمل مع مجموعة (كوكس ميديا)، توظف برنامج ذكاء اصطناعي يعرف باسم (المستمع النشط)، وأنه يقوم بالاستماع إلى محادثات الأشخاص اليومية بواسطة الجوالات، ويجمع بيانات المستخدمين لتقديمها للمعلنين، لمساعدتهم في استهداف الجماهير بحسب اهتماماتهم، لدرجة أنها تلتقط بيانات ما سيفعلونه في الوقت الفعلي، وتظهرها لهم في شكل إعلان على شاشة جوالاتهم مباشرة، وبما يتواءم ورغباتهم بدقة مذهلة.

التقرير السابق أثار ضجة في أوروبا وأميركا، إلا أن كوكس ميديا دفعت بقانونية تصرفها، لأن توظيف الاستماع النشط منصوص عليه في شروط الاستخدام، والإشكالية أنها لا تقرأ من غالبية الناس رغم أهميتها، ويلجأ لنفس الحيلة، الأبلكيشن الذي يجعل وجوه الناس تبدو وكأنها متقدمة في السن، أو (فايس آب) لمن لا يعرف، ولا حل مأمون إلا بالرجوع إلى طيب الذكر، الجوال الكلاسيكي القديم (أبو كشاف).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف