أميركا وتركيا والصاعق الكردي في سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تذهب أنقرة في افتراق الخيارات في سوريا ما بعد بشار الأسد إلى حد وضع واشنطن أمام خيار صعب. إما الانحياز إلى تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، أو التزام جانب حماية قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، وهي المتهمة من جانب الحكومة التركية بأنها النسخة السورية من "حزب العمال الكردستاني" الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرق تركيا منذ العام 1984. دارت سوريا بالتاريخ دورة كاملة وفتحت البلاد والمنطقة عموماً على نزاعات جديدة. لتركيا أهداف تبحث عن تحقيقها في سوريا ومن خلالها. والأمر ينطبق على الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقولة تتسلح بها إدارة الرئيس جو بايدن ومفادها أن المقاتلين الأكراد السوريين هم شركاء ضروريون لمنع تنظيم "داعش" من البروز مجدداً. أما أردوغان فيجادل بأنه لا يمكن لتنظيم إرهابي، وهو يقصد هنا "وحدات حماية الشعب"، أن تقاتل تنظيماً إرهابياً آخر، أي "داعش". في الولايات المتحدة، تبرز أصوات تستفظع التخلي عن الحلفاء الأكراد،وتدعو إلى فرض عقوبات على أنقرة إذا ما حاولت اجتياح مناطق سيطرة "قسد". من هنا، يفهم كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأحد خلال زيارة لدمشق، بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يدرك أن دعم تركيا أجدى من دعم المقاتلين الأكراد في سوريا، في إشارة إلى معارضة بايدن أي هجوم تركي على "قسد". من المؤكد أن أنقرة تأمل في أن يكون ترامب أقل تمسكاً بنشر القوات الأميركية في سوريا. وفعلاً كان ترامب قد اتخذ قراراً في ولايته الأولى بسحب الجنود الأميركيين، واصفاً سوريا بأنها "أرض الرمال والموت".لكن في الأيام الأخيرة التي تلت سقوط نظام بشار الأسد ودخول الفصائل المسلحة إلى دمشق، بدا الرئيس المنتخب وكأنه يبعث بإشارات غير مطمئنة لأنقرة، بعدما وصف ما جرى بأنه كان بمثابة "سيطرة غير ودية" على سوريا تقف خلفها تركيا. ويطرح سؤال نفسه عن مدى تأثير مستشار الأمن القومي المقبل مايك والتز ووزير الخارجية المعين ماركو روبيو، على قرار ترامب في شأن سوريا. ومعروف عن الرجلين إنهما من المناصرين للقضية الكردية. ويدرك أردوغان جيداً أن تركيا لن تتمكن من الزحف نحو مناطق "قسد"، طالما هناك انتشار للجيش الأميركي في شمال شرق سوريا. وبقاء "قسد" تحت أي مسوغ في سوريا سيبقى ينظر إليه على أنه تحدٍ غير مقبول للسياسة التركية. ولذلك، صعدت أنقرة من نبرتها إلى حد حشر واشنطن بين خيارين: إما القبول بمطلب تركيا التخلص من "قسد" أو التزام جانب المقاتلين الأكراد. هل تصل الأمور إلى مواجهة بين دولتين عضوين في حلف شمال الأطلسي بسبب الخلاف على تقرير مصير أكراد سوريا؟ على الأرجح، سيتفادى الجانبان الدخول في مواجهة، وقد يذهبان نحو تسوية لا تبدو فيها تركيا خاسرة، ولا تنتهي بتوجيه ضربة قاصمة لـ"قسد". وبدأت "قسد" بتقديم بعض التنازلات عبر تصريح قائدها العسكري مظلوم عبدي عن الاستعداد لسحب المقاتلين غير السوريين إلى خارج سوريا، بما يسقط الحجة التي ترفعها أنقرة عن وجود مقاتلين من "حزب العمال الكردستاني" في صفوف "قسد". كما أن المقاتلين الأكراد سلموا المواقع التي أخلاها الجيش السوري والفصائل الموالية لإيران لـ"هيئة تحرير الشام" في دير الزور، بينما الاتصالات جارية بين الجانبين. الأكراد هم جزء من سوريا، التي دخلت في عهد جديد لا تزال معالمه غير متبلورة بما يكفي لتكوين فكرة واضحة عن المستقبل.