المايسترو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان لبنان المستقل بلداً صغيراً بسياسيين كبار. رؤساء من طينة بشارة الخوري، المتقدم في العرب، ورؤساء حكومات من فئة رياض الصلح، وقائد جيش من طراز فؤاد شهاب، ووزراء خارجية من درجات شارل مالك العلمية.
الأهم من رجالات الحكم، كان رجال المعارضة: كمال جنبلاط، وكميل شمعون، وريمون إده، وغسان تويني. كان جنبلاط يمثل الدروز، أصغر الطوائف عدداً. لكنه في شخصيته الاستثنائية اتخذ حجم وموقع الزعامات الأولى، وكان شريكاً أول في صناعة الرؤساء وفي إقلاقهم. ولما قامت الحرب في لبنان قاد كمال جنبلاط «الحركة الوطنية». كان نجله وليد جنبلاط، الذي يدرس الاقتصاد في الجامعة الأميركية، يتجه إلى أجواء غير سياسية. لكن بعد اغتيال والده عام 1977 لم تعد السياسة، أو الزعامة، خياراً.
اغتيل كمال جنبلاط بسبب استقلاليته ونظرته إلى الصراع. وانتقلت الزعامة إلى نجله وليد في ظروف صعبة، إذ كان لبنان في ذروة الصراع المحلي والأممي. كانت التحديات أمام وليد كثيرة: صيانة الدروز، وحساسيات الغرب والشرق، وخصوصاً حماية «الجبل» الذي من أجله خاض حرباً ضارية.
في القتال وبعده في الحروب السياسية، لم يغب وليد جنبلاط لحظة عن قصر المختارة. هو الركن التقليدي وهو القارئ النهم لثقافات الحاضر والتيارات الفكرية حول العالم.
بل مضى إلى أبعد من قراءات الأب في زمن العولمة والحداثة. والذين على لائحة «منشوره» الخاص يعرضون مدى الفارق الثقافي بين سياسيي اليوم وبين أشهر قارئ متغيرات في لبنان الحديث.
أول زعيم سياسي غير سوري اتصل بأحمد الشرع كان وليد جنبلاط. وبينما كان العالم لا يزال يتساءل عن صورة الحكم، كان هو يرأس وفداً من المشايخ المعمرين إلى دمشق يشبهون الصور الطالعة من عبق التاريخ.
يلقب الرجال البارعون والمهرة في حقولهم «المايسترو»، أو «قائد الفرقة» أو «المعلم». ويعطي الألمان هذا التوقير للمحافظين ورؤساء البلديات، باعتبارهم أمناء على شؤون الرعية. عندما ظهر وليد جنبلاط في دمشق، لم يترك شكاً أنه المايسترو الثاني.