هل يقفل لبنان الباب أخيراً على السلاح الفلسطيني؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد عقود من الوجود المسلح للفصائل الفلسطينية في لبنان، تشهد البلاد تحولاً جذرياً بالنسبة إلى هذا الملف، إذ سلمت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين&- القيادة العامة" مراكزها العسكرية وأسلحتها إلى الجيش اللبناني.
وشملت هذه المواقع مركز قوسايا&- زحلة بما فيه الأنفاق العائدة له ومركز "جبيلة عين البيضا" في كفرزبد ومعسكر السلطان يعقوب في البقاع الغربي وموقع حشمش المواجه مباشرة لقوسايا ومعسكر حلوة&- راشيا التابع سابقاً لتنظيم "فتح الانتفاضة".
ويشير المراقبون إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا كان له أثر كبير في تحجيم دور الفصائل الفلسطينية و"حزب الله"، ففقدت هذه الفصائل دعماً رئيساً كان يمدّها بالسلاح والمساعدات، مما أضعف موقفها بصورة كبيرة، وفي الوقت ذاته تضاعفت الضغوط الدولية على لبنان لتطبيق القرارات الدولية مثل القرار 1701 والعمل على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
كما أن التحولات الإقليمية دفعت المجتمع الدولي إلى التركيز على نزع السلاح غير الشرعي في لبنان كجزء من استراتيجية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ويبدو أن هذه الضغوط بدأت تؤتي ثمارها مع الخطوات الأخيرة للجيش اللبناني الذي أظهر جدية في تنفيذ مهماته على رغم محدودية موارده.
سقوط النظام السوري
يوضح مدير مركز تطوير الدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية هشام دبسي أن المواقع التي تسلمها الجيش تابعة للقيادة العامة والمنشقين عن حركة "فتح" وبعض المرتبطين بأجهزة الأمن السورية، ويرى أن هذا الأمر تأخر كثيراً وكان يفترض أن يتم منذ صدور القرار 1559 عام 2004، حين وافقت السلطة الفلسطينية على تسليم السلاح خارج المخيمات وداخلها، لكن اعتراض "حزب الله" في ذلك الوقت سحب الأمر إلى طاولة الحوار، وهناك وافق الحزب على سحب السلاح من خارج المخيمات وتنظيمه داخلها، لكنه عاد وأفشله.
سقوط نظام الأسد في سوريا كان له أثر كبير في تحجيم دور الفصائل الفلسطينية و"حزب الله" (الجيش اللبناني)
ويقول دبسي إن تسليم الجبهة سلاحها في هذه المرحلة مرتبط بهدفين أساسيين، الأول تطبيق القرار 1701 وما لحظه من تطبيق قرارات سابقة، وأهمها القرار 1559، أما الثاني فمرتبط بسقوط النظام السوري بهذه الطريقة الدراماتيكية والمفاجئة، إذ إن "هيئة تحرير الشام" أصدرت أوامر لأتباع النظام السوري من فلسطينيين بأن يسلموا معسكراتهم وأسلحتهم.
وبرأيه، الوقت نضج من مختلف جوانبه كي تبسط الجمهورية اللبنانية سيادتها بواسطة جيشها على كامل أراضيها، وتنهي أي وجود مسلح باسم فلسطين خارج المخيمات، كما أن لها الحق بالسيطرة على المخيمات وسحب الأسلحة الموجودة فيها.
5 مواقع عسكرية
وأوضح المسؤول الأمني لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة" في لبنان العميد باتر نمر (أبو راتب) أن "الجبهة أخلت جميع مواقعها خارج المخيمات في كل المناطق اللبنانية، والبالغ عددها خمسة (قوسايا والسلطان يعقوب ووادي حشمش وعين البيضا والناعمة)، وسلمتها إلى الجيش اللبناني مع السلاح والعتاد الموجودين فيها".
وشدد نمر على "أهمية الحفاظ على أمن لبنان وسلامته لأن هذا البلد يستحق ذلك، وسنكون خير مدافعين عن هذا البلد وأمنه من أي غدر"، شاكراً الشعب اللبناني على "حسن استضافته للشعب الفلسطيني".
وعن ربط عمليات إخلاء المواقع بسقوط النظام السوري، أكد أن "لا علاقة بين الأمرين، إذ إن قرار الإخلاء بدأ منذ أشهر بالاتفاق مع الجيش"، وأوضح أن "لا علاقة للجبهة بالنظام، بل إن تأسيس الجبهة جاء قبل تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد الحكم في سوريا"، وبيّن "أننا حلفاء لأي جهة تكون فلسطين بوصلتها".
وأشار إلى أن "هذا السلاح هو هدية للجيش باعتباره صمام الأمان للبنان"، لافتاً إلى أنه "تم الاتفاق مع الجيش على هذه العملية، إيماناً منا بلبنان واستقراره، ونحن نثق بمؤسسات الدولة اللبنانية وعلى رأسها الجيش" ومشدداً على أن "هذه الأراضي ليست ملكنا، وإنما هي ملك أهلها".
وعن تسليم السلاح داخل المخيمات، أفاد نمر بأن "هذا الأمر مرتبط بقرار سياسي عام وشامل ولا يتعلق بالجبهة وحدها، باعتبارنا أحد الفصائل الفلسطينية في المخيمات"، مشدداً على "أننا صمام أمان داخل هذه المخيمات وعلى تنسيق دائم مع الأجهزة الأمنية من أجل ضبط المخيمات وأمنها الذي هو من أمن لبنان".
"فتح لاند" واتفاق القاهرة
ملف السلاح الفلسطيني في لبنان من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية، إذ يمتد تاريخه إلى "النكبة" الفلسطينية عام 1948، عندما نزح 750 ألف فلسطيني، من بينهم 100 ألف لجأوا إلى لبنان واستقروا في 12 مخيماً للاجئين. وهذا الملف كان محورياً في التوازنات الإقليمية والمحلية وشهد مراحل مختلفة من الدعم والتدخل الإقليمي، أبرزها اتفاق القاهرة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1969. حينها وقّع لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة اتفاقاً "شرع" السلاح الفلسطيني، وسمحت بنوده للفلسطينيين التنقل داخل لبنان، والتسلّح ضمن المخيمات، والقيام بالعمل العسكري ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
وفي السبعينيات، توسع النفوذ الفلسطيني ليشمل مناطق خارج المخيمات مثل الجنوب اللبناني الذي أصبح يعرف بـ"فتح لاند" و"جمهورية الفاكهاني" في بيروت. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، أجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة لبنان، مما أدى إلى تراجع دورها، لكن الفصائل الفلسطينية المسلحة احتفظت بمواقعها داخل المخيمات وبعض المناطق الحدودية.
شرع اتفاق القاهرة عام 1969 السلاح الفلسطيني في لبنان (ا ف ب)
الفصائل الفلسطينية المسلحة
- حركة "فتح"، تأسست عام 1959 بقيادة ياسر عرفات، وهي أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية، وتُعدّ عنصراً أساسياً في السلطة الفلسطينية، وتنشط "كتائب شهداء الأقصى" التابعة للحركة في لبنان بقيادة منير المقدح.
- حركة "حماس"، تأسست عام 1987 كفصيل إسلامي، وهي مقربة من جماعة الإخوان المسلمين وتُعدّ حليفاً لإيران و"حزب الله". وشهدت علاقاتها مع حركة "فتح" توترات مستمرة. وأعلنت الحركة أخيراً عن مقتل قائدها في لبنان فتح شريف أبو الأمين بغارة إسرائيلية على مخيم البص.
- "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، منظمة ماركسية "لينينية" تأسست عام 1967 بقيادة جورج حبش، وعلى رغم تراجع نفوذها لا تزال تحتفظ بوجود في بعض المخيمات.
- "الجبهة الشعبية &- القيادة العامة"، فصيل انشق عن الجبهة الشعبية عام 1968 بقيادة أحمد جبريل، واحتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.
- "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، فصيلان سلفيان ينشطان في مخيم عين الحلوة ويُعدّان من بين الأكثر تطرفاً.
السلاح ضمانة ضد التهجير
وبعد خطوة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بدأت أصوات لبنانية تطالب بتسليم جميع الفصائل الفلسطينية سلاحها إلى الجيش اللبناني بالتزامن مع الدعوات إلى تفكيك جميع التنظيمات العسكرية غير الشرعية اللبنانية والفلسطينية، لا سيما أن ذلك يتطابق مع نتائج الحوار الوطني اللبناني عام 2006، إضافة إلى انسجامه مع الدستور اللبناني والقرارات الدولية.
وفي وقت سلك ملف السلاح خارج المخيمات طريقه نحو الحل، يبقى السؤال ماذا عن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، خصوصاً أن القوى نفسها التي استغلت السلاح خارج المخيمات تحاول خلق بؤر توتر، تحديداً في مخيم عين الحلوة.
السلاح الفلسطيني يمثل خط الدفاع الأخير عن اللاجئين (الجيش اللبناني)
إلا أن العضو المؤسس في رابطة علماء فلسطين في لبنان الشيخ علي اليوسف يرفض تلك الدعوات التي يعتبرها مشبوهة، لافتاً إلى أن خطر التهجير للفلسطينيين في لبنان أكبر من خطر التوطين، وقال "منذ نكبة عام 1948، ونحن نعيش مأساة الشتات، والتهجير يعني ترك فلسطين والتخلي عن حقوقنا الوطنية، والفلسطينيون في لبنان رفضوا التوطين، لكنهم يواجهون اليوم خططاً تهدف إلى تهجيرهم نهائياً"، مشدداً على أن السلاح الفلسطيني في لبنان لا يمكن أن يسحب من دون حل شامل للقضية الفلسطينية وضمان حق العودة.
وأضاف أن السلاح الفلسطيني يمثل خط الدفاع الأخير عن اللاجئين، قائلاً "إذا تخلينا عن السلاح، فسنكون عرضة لمصير مشابه لما حدث في صبرا وشاتيلا وتل الزعتر، إذ إن المخيمات الفلسطينية مستهدفة داخلياً وخارجياً، وهناك مؤامرات تخريبية تستهدف المخيمات عبر مجموعات مأجورة تعمل على إشعال الفتن تهدف إلى القضاء على الوجود الفلسطيني".
وأشار إلى أن "السلاح الفلسطيني ليس موجهاً ضد الدولة اللبنانية أو أي طرف داخلي، بل هو أداة مقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. ويجب أن نتعاون مع الجيش اللبناني لحماية السيادة اللبنانية وحقوق الفلسطينيين في آنٍ واحد"، قائلاً "تاريخياً كان السلاح هو العامل الذي منع التهجير الجماعي للفلسطينيين، وإذا سلمنا السلاح فلن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا أمام أي محاولة للقضاء على وجودنا".